لو فكر أكثر عقول الاستخبارات في العالم عبقرية، ودهاء وتخصصاً بالمؤامرة، لما تخيلوا هذه الفرصة التى تحدث الآن في سوريا في ظل الوضع الراهن، بحيث تصبح الأراضي السورية العربية ساحة مواجهات واقتال بين مليشيات حزب الله مع المليشيا الشيعية الأخرى المتطرفة والمساندة للحزب والمدعومة إيرانيا بالكامل من جهة، مقابل تنظيم القاعدة الإرهابي السني المتطرف من جهة أخرى، لو تخيلوا مثل هذا الوضع لما استطاع خيالهم أن يمدهم بالعون لإمكانية تحقيق هذه الفرصة..التى أشغلت الحكماء وأهل الغفلة أيضا؟!
لكن ما يجري، هاهو واقع شاخص ومجسد أمام الجميع، وهو الواقع الذي يسبب الجدل الدولي، وبالتالي تأجيل التدخل الدولي في الساحة السورية إلى أجل غير مسمى، على أامل أن تكون هناك نتائج إيجابية في حرب الاستنزاف بين التنظيمات الإرهابية- مشمولة باستنزاف إيران-، وبالتبعية تحريك واضح لتجارة السلاح العالمي أيضا، لكن بصورة مختلفة هذه المرة.
هنا وضع - يعتقد أنه-مثالي للقضاء على جزء ليس باليسير من التطرف والمتطرفين، وهو الواقع الذي يفسر الجدل أو العملية الجراحية الدقيقة التى يحاول المجتمع الدولي التوافق حولها لتحقيق إضعاف التنظيمات الإرهابية الأقوى عالميا، إن لم يكن القضاء على جزء كبير منها، وتقوية الأطراف الشعبية البديلة شبه الموثوقة عبر إمدادها بالسلاح لمواجهة جيش الأسد. لكن الأمر ليس بسهولة الأمنيات، إذ لا أحد في المقابل يمكن له أن يضمن النتائج، فحروب الجماعات الدينية المسلحة والمتطرفة مذهبيا لايمكن توقع نهايات لها أو وضع تاريخ محدد لانتهائها، بل يستحيل التنبؤ بنهاية قريبة أو بعيدة لها.
الحروب الدينية لا ينهكها الزمن ولا يخفيها أعداد الضحايا، ولنتذكر أن الحروب الدينية المسيحية المذهبية في أوربا استمرت لأكثر من 30 عاماً راح ضحايا لها ملايين البشر، فيما كل طرف يقاتل كالعادة باسم الرب!
صحيح أن قتال المتطرفين قد يجدها البعض فرصة ولو جزئيا لاستنزاف مواردهم العسكرية والبشرية والمالية، لكن يجب أن نتذكر أن حجم التطرف والاحتقان العام في الشارع السني والشيعي في العالم العربي والإسلامي كافٍ لاستمرار التمويل المادي والبشري، وبالتالي استمرار الحرب والمواجهة الى سنوات قد تكون طويلة.
الحقيقة المزعجة للقوى العربية والاقليمية،كما الدولية التى ترفض التدخل وتتحدث عن تسليح المعارضين للنظام الاسدي، هي في النجاح-الوحيد الخطر- الذي حققه بشار الأسد وبعون إيراني خالص، حيث استطاع تحويل المواجهة من مواجة ثورة، إلى حرب مذهبية شيعية سنية، وهو أمر يجد له استجابته في بعض الدول العربية والاسلامية التى تعاني من أزمة هذه الثنائية.
حيث من الصعب العودة لواقع ما قبل القصير، وتدخل ميلشيا حزب الله، فالنفس الطائفي اصبح حادا ونتنا، لدرجة ان صمت الانسان السني او الشيعي- حتى وان كان خارج النسق كله- عن ما يحدث او حتى التعاطف الى اى طرف اصبح تهمة، وبالتالي فالخط المذهبي الفاصل يظهر بشكل حاد وخطر أكثر وبشكل غير مسبوق!
الحقيقة التى نعمد لتجاهلها عن إصرار وترصد، ويعمد حتى الإعلام لتوريتها، هي أننا على اعتاب مواجهة مذهبية مسلحة يستمر شحنها مع إطالة امد الازمة السورية، بعد أن وجه مسارها من ثورة ضد نظام قمعي وقاتل الى حرب طائفية شيعية سنية، وستبقى في هذا السياق لوقت ليس بالقصير، وستفرض القاعدة والمليشيات السنية المتطرفة وحزب الله والمليشيات الشيعية المسلحة الإرهابية وشببيحة الأسد هذا الإيقاع، وعلينا أن نكون من الوعي والواقعية لنراها في هذا الاتجاه الخطر والطويل المدى حتى ولو كرهنا!
علينا أن ننسى عمليا ما سمي كذبا بـ” الربيع العربي “ للأبد، ونستعد للأسوأ مذهبيا وتاريخيا!