حينما لامست الذكرى -بتنوّعها شغاف قلب- أبو الطيب المتنبي قبل مئات السنين قال:
وَكَيف التِذَاذِيْ بِالأَصائِلِ والضُّحَى
إذَا لَم يَعُدْ ذاكَ النَّسِيْمُ الذِي هَبَّا
ذَكَرْتُ به وَصْلاً كأَنْ لَمْ أفُزْ بِهِ
وعَيْشاً كأَنِّي كُنْتُ أقْطَعَهُ وَثْبَا..!
ولن أنسى -ما أنسى- أن نقاء فضولي في بداية حياتي الدراسية كان قد وضعني في موقف لا أُحسد عليه حين أجابني بقسوة -إن لم أقل نهرني- رجل كنت أعتقد أن علاقتي الأكاديمية به كمحاضر في إحدى الجامعات الأمريكية وأنا أحد طلابه وكنت أجهل سبب ردَّة فعله ثم تبيّن لي أنها (الذكرى) حيث لاحظت أنه مشدود لمكان شبه مهجور على شاطئ البحر فسألته: هل تحب هذا المكان؟ (Do you like this place) فأجابني بشكل فَظ لم أتوقعه البتّة: دعني وشأني..!
(please stop bothering me) -ورب ضارة نافعة- منذ هذا المشهد تأكدت أن الذكرى تمتد إلى خارج حدود الشعر لتكون جزءا من منعطفات حياة الآخرين وبشكل علني في مواقفهم..!
وبالتالي فإن الشعراء وغيرهم يتقاسمون مرارتها.. يقول ابن لعبون:
(ذكّرتني) عصرٍ مضى وفنون
قبلك دروب الغي ناسيها
ياذا الحمام اللي سجع بلحون
وش بك على عيني تبكِّيها
أهلي يلوموني ولا يدرون
والنار تحرق رجل واطيها
وإذا كانت -الدمعة- هي فحوى اختصار الألم فإن تجسيد ذلك هو قول الأمير الشاعر خالد الفيصل بدافع تأثير (الذكرى):
أثر المولع دمعته تجرح القاع..؟
وإلى (ذكر) ما فات هلَّت دموعه
يفزّْ قلبي تالي الليل مرتاع
أخاف تبعد عن ربوعي ربوعه
وغالباً ما تكون الذكرى -لنهايات- إلاَّ أن بعض هذه النهايات هي -بداية حقيقية لصفحة ناصعة- قد تنسف ما قبلها لأسباب عديدة فلا يعود لهذه النهايات وقع ذكرى مؤثر فيما بعد يقول الأمير الشاعر سعود بن بندر رحمه الله:
إنِّي أستجديك ترجع (لا تهوجس)
لو تفارقني إلى يوم القيامه
ومنها قوله:
وش سعادتنا عشان أندم عليها..؟
يوم أوازنها (بتشكيك وملامه)
إلى أن قال:
أكتشفنا كلِّنا (مرْ الحقيقة)
ليش نخفي روسنا مثل النعامه
أما الشاعر عبدالله العليوي -رحمه الله- فقد وثّق بالشعر أن -ذكرى- الجراح لا تستحق أدنى أهمية بعد أن -فَرِحَتْ- حتى الدموع..! بالفراق:
(ذكراك) يا غدَّار هانت علينا
حتى (دموع العين فرحت بفرقاك)
خلاص لا ترجع ترانا سلينا
ما كنت أصدق يوم.. يوم إنِّي أنساك
في بعدكم ياما.. عليكم شقينا
واليوم ما تطري على البال طرياك
خَلّ الذي غَيَّر حنانك علينا
يعطيك من قلبه (ربع) ما عطيناك..!
بأحلام ليلي.. لو خيالك يجينا
قَضّْيت تالي الليل في (دفن.. ذكراك)..!
abdulaziz-s-almoteb@hotmail.com