أختزل الجهاد في حيز القتال بالرغم من أنه يعني في الأصول الإسلامية آفاق أشمل وأوسع من الحرب، وكان أثر ذلك الاختزال سلبياً، بعد أن تم ربط الجهاد بالإرهاب، وحدث ذلك بعد استغلال الجهاد الديني في فتن القتال المدني داخل المجتمعات المسلمة، لكنه مع ذلك لا يزال يتميز بقدسية مصدرها تاريخ الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام، وهو ما جعل الدعوة إليه تحظى بالاستجابة في كثير من الأحيان من قبل الجماهير، كان آخرها الدعوة للجهاد في سوريا، وما ترتب عليه من تأثير على الحراك السياسي الغربي في مواقفه من الحرب الدائرة في سوريا.
تكمن إشكالية مصطلح الجهاد في العصر الحاضر في استخدامه لنصرة طرف مسلم ضد آخر، ومن أجل تشريع إطلاق مبادرة الجهاد ضد المسلم يتم تكفيره من قبل الطرف الآخر، ويجدر بالذكر في هذه العجالة أن الجهاد كمصطلح لم يُستخدم في الحروب التي دارت بين المسلمين في القرون الأولى من تاريخ المسلمين، وكان الوصف المناسب هو الفتنة، أو نصرة المظلوم ضد الظالم، برغم أن الخوارج حاولوا إدخال الحكم الديني فيها عندما كفروا بعضاً من الصحابة، واستدلوا على الحكم التكفيري بآيات قرآنية، لكن الإمام علي رضي الله عنه رد حكم الخوارج أو القراء بمقولته الشهيرة، «لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمال أوجه».
بعد التوظيف السياسي للجهاد في أفغانستان ظهر على السطح مشائخ متخصصين في إطلاق مبادرات الجهاد في كل اتجاه، واكتسبوا شعبية بسبب مواقفهم المتشددة ضد المخالف، بل أصبحت المزايدة في إطلاق حروب الجهاد يتسابق عليها المشائخ في الشبكة العنكبويتة، وإن كان بعضهم يعيش في قصور ورفاهية بعيدة كل البعد عن بيئة الجهاد وفكره وأصوله في تاريخ المسلمين، والمعضلة التي نواجهها أن هؤلاء اكتسبوا مهنة إصدار الصكوك الشرعية للقتال وإهدار الدماء حسب توجهاتهم السياسية، وهو ما يجعل الأمر في غاية الخطورة، والتي قد تُستخدم كسلاح فتاك داخل المجتمعات الآمنة، في ظل الصراعات السياسية الحالية داخل الأوطان في العالم الإسلامي.
ما يحدث في سوريا ليس حرباً بين الكفار والمسلمين، ولكنه ثورة شعبية ضد المستبد الذي يقبض على الحكم السياسي منذ عقود، وكان يجب أن تكون الدعوة لمناصرة المظلومين والمحتاجين من السكان المشردين، و لإمداد الثوار بالمعونة في حربهم المدنية ضد الاستبداد السياسي، وأن لا يستخدم مصطلح الجهاد في غير مكانه، لأن الحرب السياسية الحالية ليست دينية، ولكن مدنية وإنسانية ضد دكتاتور استبد بالحكم دون قومه، بل هي أقرب إلى ثورات الحقوق المدنية منها إلى الحرب الأهلية.
المأزق الذي يقع فيه دائما بعض المشائخ أن الدعوة للجهاد في الزمن الحاضر تتطلب تكفيراً للجهة المقابلة، لأن التسليم بإسلام المستبد عندهم، يشفع له ظلمه واستبداده وهضمه للحقوق، ولهذا لم نسمع دعوة للجهاد ضد طالبان الإسلامية عندما حاولوا الاستبداد بالحكم في أفغانستان، أو عندما هضمهوا الحقوق للمدنيين أثناء استيلائهم على الحكم، لهذا السبب سيكون خيار الجهاد سلاح في يد بعض علماء الدين، والذين عادة ما يختارون الوقت السياسي المناسب لتكفير الحاكم أو معارضيه ثم قتالهم وتصفيتهم دموياً.
فهم بعض الزعماء العرب اللعبة متأخراً، كان أشهرهم صدام حسين بعدما أظهر تدينه إعلامياً، وأضاف كلمة الله أكبر على العلم العراقي، وذلك من أجل حمايته من خروج الجماهير على حكمه، لكن الأمور جرت فيما لا تشتهي السفن، ولم تنقذه عودته الظاهره للإيمان في آخر أيامه من الإعدام شنقاً بحكم مدني.