عندما نتحدث عن إصلاح فإننا لا نتحدث عن أخطاء، وإنما نتحدث عن صالح يحتاج إلى إصلاح، الخطأ يحتاج إلى تصويب، وفرق بين التصويب والإصلاح.
وبهذا الفهم يزال الحرج عن التوجه الإصلاحي ونجنبه سوء الفهم، والأمر كذلك، فان أحوج احتياجاتنا للإصلاح
يكمن في وعينا وثقافتنا التي تحكم وتوجه سلوكنا، سلوكنا الذي يدير حركة حياتنا ويوائمها مع التغيرات التي تديرها حركة التاريخ والجغرافيا، وكلما كان وعينا وثقافتنا التي توجه سلوكنا في إدارة حراكنا في الحياة متوائمة مع التغيرات العصرية التي تديرها حركة التاريخ والجغرافيا عبر أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية وأدبية كان مسارنا حاضراً ومتحضراً لا يعيقنا عن التقدم الحضاري في النمو والتنمية والتطور.
إن الوعي والثقافة المترسبة في الوجدان الإنساني بفعل التوارث وتسلسل الأجيال هي المرتكز الأساسي والعنوان الأصيل لمعيار التقييم لقيمة حضور ووجود مجتمع بين المجتمعات البشرية الأخرى، وكلما كانت صالحة للرقي والتطور كلما كان حضوره ووجوده بين المجتمعات مفيداً وضرورياً وإيجابياً، يعين ويساعد في ترقية الحياة الإنسانية إلى مساحات أوسع للأمن والسلامة والاستقرار، الذي من خلاله تتقدم حياة الإنسان وتتطور إلى ما يليق بقيمته ويحقق الرسالة الإلهية له بإعمار الحياة وإحيائها.
إن هذا الفهم يدعونا إلى إعادة النظر في كثير من سلوكياتنا التي اعتدناها وأصبحت تشكل جزءا راسخا من هويتنا، ثم إن إعادة النظر هذه لا تعني خروجا أو تعاليا على مسلمات رسخت في أذهاننا ولا انقلاب على ثوابت صارت جزءاً من هويتنا، بل إنها ضرورة ولازمة لإصلاح الصالح منها وتصويب الخاطئ فيها، وكي نفهم حاجتنا لتغير كثير مما في أنفسنا لنلتفت إلى واقعنا وموقعنا بين من حولنا على كوكب الأرض، وسنجد أننا ورغم حملنا أسمى واصدق رسالة سماوية إلا أننا تبع لغيرنا نأكل مما يزرعون ونلبس ونركب مما يصنعون وندافع عن حمانا بسلاحهم ولا نرد المظالم إلا بنجدتهم، وما ذاك لاختلاف في العقول وهي نعمة من الله سبحانه وتعالى على بني البشر مؤمنهم وعاصيهم، ولكنه في الاختلاف والتمايز في ندى الهمة لإشغال هذه العقول واستعمالها فيما يسره الخالق سبحانه وتعالى بين إنسان وآخر.
إن من أشد أسباب التخلف وأوضحها التهيب من الحركة، ولا يغني في ذلك التعذر بالحيطة والحذر والخوف من العواقب، لأن في العقل متسعاً من الإدراك لاستيعاب المتوقع والاستعداد له، وبالتالي فإن التهيب أو التردد في إشغال العقل وإنهاكه هو الذي يبرر ويزين للنفس الإبقاء على واقع غير حسن بحجة الحيطة والحذر, ولاشك أن الحركة أو الانتقال من نقطة إلى أخرى تحتاج إلى حركة انتقالية في الفهم والوعي من خلال تنشيط العقل، وهي عملية ليست بالهينة طالما هي تمس أمن وسلامة مجتمع من الناس لا فرد أو أفراد، لكن الأمر ليس خياراً ولا انتقاء، سنة الحياة هي التغيير، لا شيء يبقى كما هو، إن لم نتواءم مع حركة التاريخ والجغرافيا، فإن هذا الحراك سيغيرنا نحن ونصبح دون وعي أو إرادة شيئاً مختلفاً عما نعتقد ونؤمن به.
إذا كنا نرى أننا في قصور وتخلف عن أمم أخرى لا تملك ما نملك من يقين، فعلينا أن نعترف ونقر بأن اليقين وحده لا يكفي دون عمل، العمل يعني الحركة والحركة تعني إشغال العقل في حاجة الحاضر واستيعاب المتوقع والاستعداد له، حاجة الحاضر تعني إصلاح الصالح الذي لا يتم إلا بعد (فلترة) حاضنة الوعي والثقافة وتصويب الخاطئ فيها و إصلاح الصالح منها، وأدواتنا في ذلك ثلاثة قواعد أساسية، الأولى هي الإيمان، والثانية هي الصدق في الإيمان، والثالثة هي الإخلاص في العمل، الأولى هي بمثابة المنهج أو خط المسار، والثانية هي بمثابة تأكيد الالتزام والتجرد من هوى النفس، والثالثة هي بمثابة الإصرار على الانجاز، بهذه القواعد الثلاث نواجه الحيطة والحذر والخوف من المجهول فنصبح في تواؤم مع مسار حركة التغير دون أن نتخلف أو نتقهقر أو نبقى في واقع لا يليق بنا.
Hassan-Alyemni@hotmail.comTwitter: @HassanAlyemni