(1)
طُلب مني مرة أن أرسمَ موقفاً يصفُ الحالَ الراهنَة لشباب اليوم، والهُوّة التي تفصله عمّا يجري في مجتمعه والعالم من حوله، وما هو السبيل لتنمية وعيه الوطني واستقطابه للمشاركة في أعباء التنمية. وقد هالني مضمونُ السؤال، فوصفتُه بأنه (مُوجِعٌ) بكلّ المقاييس، وأنه يصعب التعاملُ معه عبْر مسَاحةٍ قصيرةٍ من الكلام.
***
كل ما أستطيع ذكره الآن هو أن جُزْءاً يسيراً من الحلَّ للمعضلة التي يطرحها السؤال قد يتَأتّى عبر الآتي:
1) محاولةُ تحقيق (مصالحة) عاقلة وعادلة و دائمة بين المنزل والمدرسة، بحيث تكون مدْخلاتُهما ومخرجاتُهما في صالح الشاب والشابة، حاضراً ومستقبلاً، بلا تناقضٍ في الأهداف، ولا اضطراب في المحتوى، أو تضارب في الوسيلة، أو الغاية بينهما! هذا الصّلحُ سيجفّفُ في زعمي المتواضع جُزْءاً غيرَ هيّن من منابع القلق في النفوس الشابة، ويَردمُ فجواتِ الخوفِ من الغد، ويوقظُ العزْمَ لمقاومةِ هذا وذاك.
***
2) تحقيقُ قفزاتٍ نوعيةٍ وإنسانيةٍ وتنمويةٍ في المناهج الدراسية، محتوىً ووسائلَ وغاياتٍ (تعلّمُ) الشاب والشابة حبَّ العمل، وفضيلةَ التفاؤُل، ومهارةَ الاستمتاع بالتحدي وتحويلِه إلى إنجازاتٍ تضيء دهاليزَ النفس، وتزرعُ الثقةَ في أطرافها، وتُكْسبُها قدراً كبيراً من (الانتماء) إلى النفس أولاً، ثم الأسرة فالوطن!
***
« بذلك وأكثر منه يمكن أن (نحلَمَ) بجيلٍ جديدٍ (متحرَّرٍ) من قيود الشتات النفسي، وأوْزارِ الضياع فـي عَتْمة البحْث عن غدٍ معيّن. جيلٍ يتلبّسُ همومَ وطنِه وطموُحاتِه، من منطلق (الشَّراكة) في مُواجهتِها بأنْ يسخّرَ نفسَه ومواهبَه وتحصيلَه وجهدَه خدمةً لهذا الوطن ورفْعاً لشأنه!
***
(2)
لا أكتمكم سراً أن الودَّ شبهُ مفقُودٍ بيني وبين (الشبكة العنكبوتية) كما يسَّميها الفصَحاءُ من الناس، أو (الانترنت) بلغَة الفِرنْجَة، والسبب من جانبي أنها لا تفرّقُ بين الحق والزُّور من القول، مثلمَا أن العامةَ من الناس لا يفرقُون بين الاثنين فيما يقرؤون عبْرها، بل يعمُدون أو يتعمَّدون، لسبب أو لآخر على (التسليم) بما تقُول، وكأنه حق لا تأتيه ريح الباطل من أيّ باب!
***
و(الانترنت) في أحسن أحوالها جسْرٌ معلوماتيُّ وثقافيُّ يربُط الأمُمَ ببعضها، ويسهَّلُ سُبلَ التواصلِ بينها، وهي في أسوأ أحوالها (مَرْمَى نفايات) للعْقِل البشري، ينفثُ من خلالها كلُّ مَنْ شاء سُمومَ إحباطاتِه وأوجَاعِه وأدرانِه ! والعاقلُ البصيرُ منّا مَنْ يعرفُ ماذا يُريدُ منها، فيتبعه، وما لا يريد، فينبذه !
هل عرفتم الآن واحداً من أسباب تردّدي في التعامل مع (الانترنت) ؟!
***
(3)
لأبها في خاطري قناديل مضيئةً من الذكريات لا يطفئها النسيان، مواقفَ وأماكنَ وأشخاصاً، ففيها ولدتُ، وعلى ترابها ذقت مرارة الطفولة الأولى ونعيمها بمقاييس ذلك الزمان مكاناً وإمكانات، لهوْتُ في جبلها وسهلها، وخضت غمار الركض الجاد مرة خلف الأغنام راعياً، وأخرى سائساً للثيران وهي تسحب الماء من البئر لريّ مزارع جدي (لأمي) رحمهما الله، وثالثة ساقياً للزرع، ومهما تنوعت مواطنُ الإقامة التي تلتْ (هجرتي) من أبها قبل نحو خمسين عاماً، يظل القلبُ يخفق حباً لتلك الفترة من حياتي أماكنَ وذكرياتٍ!