* في صالــة الكنيسة الكبيرة المستأجرةِ لصلاة الجمعة في “سان دييغو” كنا ننتظر أخبــار المدينــة الصابـرة يرويها الخطيب وتوثقها المنشورات؛ فلا فضائيات تتابع ولا شبكات تواصل، ومع الرجاء والدعاء كانت الخيباتُ تتوالى عن المجازر التي ارتكبها نظام دمشق في عهد الأسد الأب ليسحق ثوارَ حماة ويدمرَ بنيتها ويشرد أهلها.
* تم ذلك خلال أقلَّ من شهر (1982م) وكان الضحايا -وَفق الويكيبيديا- بين ألفٍ وأربعين ألف قتيلٍ لاختلاف التقديرات الرسمية عن الشعبية غيرَ ما طال المدينةَ من هدمٍ وأهلَها من تهجير، وما رافقها من تجذير التباغض المذهبيِّ الذي أشعلته ثورة الخميني (1979م) فتأجج وتأدلج وصار المحركَ لأإعلام الأمةِ وإِعلامها.
* التعتيم الذي خدم الأب تحول إلى تعميمٍ في زمن الابن، ومن يظن التأريخ يعيد نفسه فقد ارتكب خطأ قاصري الرؤية الذين يكررون أنفسهم أو يقلدون غيرهم، وكذا سقط بشار في فخ والده، وبمثله وقع “السيد” في فخ الإعلام الذي ناصره (2000م/ 2006 م) إذ ظنَّ أن تخدير خطبه ما يزال مؤثرًا في الجماهير الحالمة، ولعله انخدع بهم ومعهم وفاته أن وعي الشعوب مستيقظٌ وإن بدا متثائبا.
* الإعلام قوة ناعمةٌ تشبه الماء الذي يحفر مجراه، ومجزرة حماة التي لم يدرِ بها الكثيرون ووُلد بعدها الأكثرون عادت اليوم للواجهة بفضل محركات البحث التي رصدت تفاصيلَها حتى إن إطلالةً عابرةً تشير إلى قرابة مليوني مادةٍ في محركٍ واحد، وهو ما يعني أن الدماء صارت مدادًا وما ظنه الجلاد قد نُسي انفتحت منافذُه أبوابًا مشرعةً لمحاكم التأريخ.
* الإعلامُ لعبةٌ ولاعبٌ معًا، وفيما تمايلت الجماهيرُ على خَطابية بعضِ بُلغائه “السياسيين والدينيين” فإن ولاء المصفقين لا يمتدُّ طويلاً، وقد خرج الأسد الأب من الدنيا وفي ناسنا مَن يصدقون صموده ثم تبدى ما خفي أو أُخفي وسقطت ورقة التوت، وفي حين لم تكن أمامنا سوى ورقاتٍ خائفةٍ رصدت قبل ثلاثين عامًا حرب الإبادة وجدنا مئات الآلاف من الحكايات والتحليلات والوثائق والحقائق “على الهواء مباشرةً” ليحمل الطاغيةُ الصغيرُ وزر طغيانه والطائفيُّ المستأجرُ آثام تعصبه، وليلتئمَ “العلويُّ والفارسيُّ” في جهلهما بحسابات الإعلام ونفسيات الجماهير.
* جفت نواعيرُ حماة حين لم تجد ساقيًا يَعلم ويُعلم وراقيًا يكتشف وينتصف لكن “درعا” المبتدأ و”القصير” الخبر وجدتا آفاقًا مفتوحةً لخفايا الزوايا وخائفي الهمس كما لانعكاسات المرايا وأسطح الشمس، وقاد سوء التقدير طلائعَ التغيير واستبدل جهرُ اليوم بصمت الأمس.
* ثمة نظريةٌ إعلاميةٌ عتيقةٌ مؤداها أن الشجرة التي تسقط في الغابة ولا يراها أحد لا تُعدُّ ساقطة، ولعل منشئَها يراجع مضمونها؛ فغابات هذا الزمن ساحةٌ مكشوفةٌ يُرى عصفُها ويُكشف وصفُها، وما يرصد الأوراق والدروب سيروي الندوب والخطوب، وعالم اليوم غابةٌ مباحة لا مجاهيل فيها وإن وشت بقسوة الظلم وعتوِّ الظالمين.
*لم تمت ثورةُ حماة الأولى ولن تموت معركة القُصير الأخيرة والثمن دموعٌ ودماءٌ تدفعه الأجيالُ في معارك ثأرٍ لا تنتهي.
* القوةُ لغة.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon