مرت سنتان على تجميد رواتب الممارسين الصحيين السعوديين، بالرغم من الوعود واللجان والتصريحات التي تعد بالحل لمشكلة التجميد غير النظامية في أسرع وقت، كان آخر النداءات المهمة للدكتورة سلوى الهزاع عضوة مجلس الشورى المختارة، في مقابلة لها في جريدة الشرق قبل شهر من الآن، والتي قالت فيها بصريح العبارة إن توحيد وتجميد الرواتب وتفضيل الأجنبي سبَّبا هجرة الطبيب السعودي للقطاع الخاص، وأن كثيرا من الأطباء بدأوا ينصرفون إلى وظائف إدارية لا علاقة لها بالطب حتى يحصلوا على المميزات التي سلبت منهم في المستشفيات المرجعية، وقد وعد معالي وزير الصحة بإلغاء التجميد قبل سنوات في خبر صحفي، لكن شيئاً لم يحدث، وكان بمثابة المسكّن فقط لا غير.
كنت أعتقد أن رأي طبيبة وعضوة مجلس شورى، تصل إلى درجة نائب عن المجتمع في الدول المتطورة، يجب أن يؤخذ بجدية، لكن ذلك لم يحدث إي ردة فعل لإصلاح الأمر، وإذا لم يشارك أعضاء مجلس الشورى بصفتهم التشريعية في صياغة القرار التنظيمي ودراسة الآثار السيئة المترتبة عنه، فمن إذن المسؤول عن مراجعته أو إصلاحه، وهو ما يجعل من مرجعية قرار التجميد لا تستند للتنظيم التشريعي من قبل أهل الإختصاص ..، وما هو يرفع أكثر من علامة استفهام عن ميكانيزم إصدار القرار الذي أثر على مستقبل آلاف الممارسين الصحيين في وطنهم.
الآثار السيئة والمتوقعة قد حدثت بالفعل، فالإحباط العام بين الممارسين السعوديين وصل لدرجة غير مسبوقة، وبدأت الهجرة إلى بلدان الخليج وغيرها، لكن الهجرة الأخطر كانت للقطاع الخاص وسط تغاضي واضح من بعض إدارات المستشفيات بسبب تجميد رواتب أطبائهم وممارسيهم الصحيين، وقد فتح قرار التجميد الفساد الإداري في بعض الوجوه، فإدارات المستشفيات أصبح لديها فائض مالي بسبب تجميد الرواتب، وأصبحت بذلك تملك قرار توزيعها بأسلوب منحاز وعشوائي على من يستحق المكافآت السنوية المقطوعة حسب ما تراه.
أصبح “ التنفيع “ المادي ظاهرة إدارية متجلية، وسلطة يتصرف بها المسؤول كيفما يشاء، وذلك بسبب غياب التنظميات التي تكفل معاملة المتأثرين بقرار التجميد بسواسية، وتقديرا لما يقدمونه من خدمات مميزة، وهو ما فتح أبواباً للمنفعة المادية خارج دائرة الإنجاز والخدمة الطبية المتميزة، وكان المتأثر الأكبر الخدمات المتخصصة الدقيقة، والتي أصبحت هماً ثقيلاً بدون عائد، و لم تعد مغرية للمتخصصين، وقد اتجه بعضهم إلى القطاع الخاص من أجل تعويض نسبة التضخم السنوي وغيابهم عن اللائحة الخاصة للمسؤول، و بالتالي، رفع دخلهم المالي من خلال تقديم الخدمات الصحية الثانوية في المستشفيات الأهلية.
الإحباط يظهر في صورة أقرب للشعور بالدونية وعدم الأهمية للمواطن الممارس الصحي في وطنه، وذلك حين ينال زميله غير السعودي العلاوات والمكافآت المادية في نهاية كل عام، ويزداد دخله السنوي، بينما يتم حرمان المواطن المتخصص منها فقط لأنه سعودي، والإحباط يصل إلى ذروته عندما يتم إغراء الاستشاري غير السعودي برواتب عالية وخارج كل السلالم من أجل العمل في المستشفى، في وقت يُفرض فيه حصار على الممارس الصحي المواطن في نفس التخصص، إما التجميد أو سلم رواتب محدود بمكافآت ثابتة ومقطوعة.
الإحباط يظهر في نهاية العام عندما يقدم السعودي سجل إنجازاته العلمية والخدمية والتعليمية، والمتفوقة، ثم يُحرم من المكافأة السنوية بسبب أنه سعودي مجمد راتبه بقرار إداري، وحسب قرار التجميد لن ينال الاستشاري والممارس الصحي السعودي أي مكافأة، ولو حصل على جائزة نوبل في الطب.، لكن يظل السؤال العالق في أذهان الكثير: من المستفيد من تفشي الشعور بالدونية بين الممارسين الصحيين المواطنين في وطنهم أمام زملائهم غير السعودين!.