قال تعالى في محكم كتابه: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كثيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وأجرًا عَظِيمًا (سورة الأحزاب: 35). فالله تعالى وجه خطابه لعباده من الذكور والإناث دون أيّ تمييز فقد أعد لهم أجرًا عظيمًا ووعدهم بالمغفرة..
فهذا هو الخطاب الرباني الذي تربينا عليه نساء المسلمين مقابل قوانين محليَّة مغرقة في التمييز والتعسَّف ضد المرأة تتحكم في حياة النِّساء ورزقهن وتعليمهن وعملهن وبيعهن وشرائهن وكل ما يتعلّق بشؤونهن مما لا علاقة للإسلام به.
ولن يستطيع رجل سعودي إدراك حجم هذا التمييز حتَّى يعيشه فعلاً ويدرك بأنّه مثلاً لا يستطيع شراء سَيَّارَة إلا بموافقة ولي ذكر ولا يستطيع تملك أرض إلا بموافقة ولي ذكر ولا يستطيع استخراج وثائق للسفر إلا بموافقة ولي والحمدلله أن الأقدار والأعمار والحياة والموت بيده سبحانه والا ما كان ليتركها مشرعنا المتذاكي إلا وربطها ربَّما بموافقة ولي!
لهذا كلّّه ندرك أن بعض الخطوات الصَّغيرة التصحيحة لهذا الوضع اللا إِنساني تُعدُّ مفرحة ومبهجة ليس للنِّساء فقط، بل لِكُلِّ مسلم مؤمن حقّ الإيمان بعدالة الخالق وعدالة شريعته التي جاءت لتحسين معيشة البشر وترقيتها لا للتمييز بينهم.
وقد أبهجتنا موافقة مجلس الشوري في جلسته الأخيرة على توصية رفعت بها بعض العضوات في لجنة الشؤون الماليَّة في المجلس التي طالبت بمساواة المواطنة السعوديَّة بالمواطن في شروط الاستفادة والحصول على قرض من بنك التنمية العقاري، إذ إن قوانين الصندوق في صيغتها الحالية تميّز ضد المرأة فلا تمكنها من الحصول على قرض لبناء منزل إلا تحت شروط صعبة لا يخضع لها رفيقها الرجل.
والحال نفسه مع وضع النِّساء السعوديات المتزوجات من غير سعوديين وهي القضية التي أثارتها عضوة المجلس د.ثريًّا عبيد في جلسة أخيرة حول ما يعانيه أطفال السعودية المتزوِّجة بغير سعودي من معاناة بسبب معاملتهم كغير سعوديين في قضايا الإقامة وحق التَّعليم والعمل وغيره من المشكلات التميزية التي تعاملهم كأقلية في حين ينعم أطفال الرَّجل السعودي المتزوج من غير سعودية بكامل المواطنة، كما تنعَّم بها زوجته غير السعوديَّة.
وإذا أردنا تشريح القوانين التمييزية ضد المرأة في بيئتنا السعودية فسيدهشنا تمدّدها المخيف حول كل صغيرة وكبيرة بحيث غطت مختلف المناحي القانونية التي تعيشها المرأة السعوديَّة بحيث لا يمكن لامرأة من غير ولي ذكر أن تعيش فعلاً أو تتزّوج أو تنجب أو تبيع أو تتملك أو تسافر أو تعمل دون أن تجد عقبة (وَلِّي الأمر) أمامها وخلفها وحولها ويمكن للقراء الكرام إدراك بعض أشكال هذا التمييز في العودة لكثير من المقالات الذَّكية التي تناولت بالشرح والتوضيح بعض هذه الجوانب مثل مقالات الناشطة والمفكرة الإسلامية سهيلة زين العابدين وخصوصًا سلسلة مقالاتها التي خصصتها للردِّ على أحد الملتقيات التي نظمها إسلاميون لتناول شؤون المرأة السعوديَّة ما لها وما عليها دون أن يمسوا أية قضية مؤرقة بالنِّسبة للمرأة السعوديَّة وفيه تناولت الأستاذة سهيلة كثيرًا من القضايا التمييزية التي لم يَتَعرَّض لها المنتدي المذكور بالمناقشة بالرغم من أنّها تمييزية بِكلِّ المقاييس ضد المرأة: انظر مثلاً:
http://www.al-madina.com -node -347541
كذلك عدد كبير من المقالات لكثير من الناشطات والنشطاء مثل د.هتون الفاسي وسلسلة مقالات الأستاذ حسن سالم في جريدة الحياة:
http://alhayat.com -OpinionsDetails -508427
وغيره وغيره كثير مما تناولته أقلام الكتّاب والكاتبات لتحسين شروط معيشة المرأة في بيئة قاسية وصعبة خاصة على المطلقة والأرملة أو من حظيت بزيجة تعسة ولم يوفقها الله إلى ولي يخاف الله فيحسن فيها بدل إيذائها!
هكذا تدنت شروط المعيشة للمرأة المسلمة في بيئة (مسلمة بالضرورة) إلى تمني الولي الصالح (أب صالح، زوج صالح، أخ صالح) فقط لكي تتمكن من الحصول على شروط حياة كريمة كفلها لها الخالق لحظة خلقها وألغتها شروط بشرية تعسفية لا علاقة لها بالإسلام! شروط مثل عدم تمكينها من الحصول على وثائق سفر أو حق العمل أو التَّعليم أو حتَّى الحصول على علاج طبي أو بعثة داخليَّة أو خارجيَّة إلا بموافقة ولي!
إن الخطوات الصَّغيرة الداعمة التي تنادي بها الأخوات في مجلس الشوري هي لبنات داعمة على طريق طويل لإصلاح عام تستهدفه المرحلة الحالية التي تعيشها المرأة السعوديَّة وتسهدف إن شاء الله تدريجيًّا رفع أشكال التمييز المُتجذِّرة في عمق القوانين والممارسات المحليَّة لكثير من المؤسسات الحكوميَّة.
وإذا كنَّا نعرف أننا لا نمتلك القدرة على تغيير القيم المترسبة في داخل نفوس وعقول الملايين بسهولة لتجذّرها الثقافي لكن وجود قوانين حكومية تدعمها هو ما يعمل على تجذّرها أكثر ويقلل من فرص تغييرها لذا فحين نسترشد بعدالة هذا الدين وبهدي النبوة لتمكين المرأة عبر قوانين عادلة ومنصفة في المؤسسات الحكوميَّة للحصول على حقوقها متي احتجت أو أرادت فإننا نضع اللبنات الأساسيَّة لعالم عادل منصف يلعب فيه كلا الجنسين المرأة والرَّجل وبتوازي يتكافئ مع أدوارهما في الحياة وهذه هي المواطنة التي نصبو إليها كسعوديات.