أتابع أخبار (الوفيات) في صحيفة الجزيرة وفي الصحف الأخرى كل يوم ونحن على دربهم «سائرون»، ورغم قسوة الفراق والحزن على من فقدناهم إلا أننا كمجتمع سعودي نعلم أولاً أننا نحوّل «أحزاننا» إلى أفراح في عادة وظاهرة (قميئة) قل أن تجدها في المجتمعات الأخرى وهي ظاهرة «البذخ والإسراف» في الموائد التي تصاحب أيام العزاء!
إنها الحقيقة المُرّة التي تقول: إن مجتمعنا ينفق مئات الملايين من الريالات سنوياً - ولا أبالغ إذا قلت «المليارات» - في موائد العزاء يومياً في سبيل التفاخر والتباهي من البعض على حساب الأموات!
إن الله سبحانه وتعالى لا يرضى بهذا البذخ والإسراف في موائد العزاء التي مصيرها في النهاية «حاويات النفايات» والخسائر الكبيرة التي يتكبّدها الأقارب والأصدقاء والجيران، هذا غير إعلانات التعازي في الصحف التي لو حوّلت مبالغ هذه الموائد الكبيرة والإعلانات إلى «الجمعيات الخيرية» المنتشرة في أنحاء المملكة لعمت الفائدة الفقراء والمحتاجين وكان نفعها وأجرها من الله على الأحياء المنفقين وعلى الأموات في قبورهم!
إنني أدعو من منبر (الجزيرة) الحُر جميع المواطنين في بلادنا وأدعو نفسي أولهم بالتخلي عن هذه «الظاهرة» المتفشية في جميع بيوت العزاء وأن نحوّلها من حالة «تباهي» وإسراف وتبذير إلى البحث عن الأجر للميت وأهله.
ويستحضرني في هذا المقام «وصية» الراحل الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - الذي أوصى قبل وفاته كل محبيه وأقاربه وأصدقائه ألا يعزوا قي وفاته في الصحف وألا يحضروا الموائد إلى بيته وأن يحول مبالغ ذلك إلى الجمعيات الخيرية والمحتاجين مقروناً بالدعاء له وأن يعم الأجر من قام بذلك!
إن تكلفة الذبيحة الآن 2000 ريال، وما يتبعها من فاكهة وماء وغيره بـ1000 ريال، وإذا أحضر أحدهم ذبيحتين إلى منزل العزاء - وهذا أقل مُعدل - يعني أننا سنوفر 6000 ريال وسوف تستفيد منها 60 أسرة كغذاء يومي إذا ما كان معدل صرفها اليومي 100 ريال في الغداء وسيعم أجرها بإذن الله الحي والميت وتحول مجتمعنا إلى مجتمع تكافلي متعاضد بدلاً من أن يكون مجتمعاً مسرفاً، فلماذا إذاً نحوّل أحزاننا إلى أفراح دون أن ندري ولماذا لا نقف مع أمواتنا بالدعاء والصدقة لهم بدلاً من إطعام الأحياء بالموائد العامرة بـ»المفاطيح» والإسراف وإحضار «القهوجية» واستئجار السجاد والكراسي وغيرها وغيرها، فالأمل بالله ثم بالمجتمع أن يغيروا نظرتهم هذه وأن يحوّلوا ما ينفقون إلى المحتاجين طلباً للأجر من عند الله والبحث عن رضاه لا رضا الناس الأحياء الذين يقتاتون على أرواح الأموات في قبورهم والله المستعان من قبل ومن بعد.
- سعد عبدالله الكثيري