بعد انتهاء القمة العربية في الدوحة 2013 وتلك القرارات المهمة التي اتخذت، لعل الأهم إعطاء مقعد سوريا لحكومة انتقالية قادت الثورة السورية، لكن ما سمعناه من انتقادات عديدة وسخرية لهذه القمة أثار أيضاً انتقادنا خصوصاً من قبل بعض الأشقاء الفلسطينيين المنتشرين عبر أصقاع العالم كله، تلك السخرية الممنهجة وغير المبنية على أساس، إنكارهم لموقف القمة من الثورة السورية مقابل طلباتهم في دعم قضيتهم (والتي هي قضيتنا أيضاً بكل تأكيد)، لكن حقيقة انتقادهم هذه المرة تأتي من باب العبث لا أكثر، حيث نسوا أن العروبة ليست فلسطين وحدها وأن استطعنا دعماً هناك فلا ينكر علينا أن لم نستطعه هنا. في العام 1964 تم إعلان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بعد 16 عاماً من احتلالها فيما يعرف بنكبة العرب 1948، هذا هو أساس الفكر الخاص بمنظمة التحرير، وبعد النكسة 1967 واحتلال الضفة الغربية أصبحت منظمة التحرير تعنى بتحرير فقط الأراضي المحتلة بعد 1967، علماً بأن هذه الأراضي في حينها كانت تتبع للدولة الأردنية، ومنذ ذلك الحين واللحن الذي تعزفه المنظومة العربية تحرير فلسطين 1967 وإعلان دولتها المستقلة (وداعاً 48). هذه كانت مقدمة بسيطة لأنه لاحقاً ظهرت حركة حماس كحركة مقاومة إسلامية (تنتهج الفكر الإخواني) وكانت تعنى بتحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر، هذا ما جعل الصراعات تظهر وتتأسس بين الفصائل الفلسطينية في جوهر مفهوم التحرير لديهم، فكل يغني على ليلاه، حتى أتى الإعلان الأول عام 1988 وتم إعلان فك الارتباط بين مملكة الأردن وبين الضفة الغربية تمهيدا لإعلان تأسيس دولة فلسطين شرعياً، ما تبع ذلك هو مدريد والمباحثات وعملية السلام مع العدو الصهيوني، حماس في حينها كانت المعارض رقم واحد والرافض الأقوى لأي سلام أو تطبيع أو حوار. بعد 15 عاما حماس تشكل حكومة فلسطينية فيما يعرف بالسلطة الفلسطينية، وتنتقل من الفكر المقاوم إلى الفكر السياسي لتشكل حكومة في السلطة الفلسطينية التي تأسست بناءً على اتفاقية أوسلو مع إسرائيل (زمن خالد مشعل)، ثم وبقدرة قادر تنتقل حماس من أراضي السلطة إلى غزة لتعلن تحريرها وتؤسس فيها دولتها (تحريرها طبعاً من السلطة وليس من إسرائيل) مع بقاء مشروع الدولة الفلسطينية في أريحا ورام الله بيد السلطة، دولتان للفلسطينيين وأخرى للإسرائيليين، هكذا أصبحت فلسطين بنظام الثلاث دول، بعد 65 عاماً من رفض العرب لمشروعلتقسيم الإنجليزي أصبحت فلسطين بثلاث دول. حقيقة في انتقادي أعلاه ليس تعميما فهناك العديد من الإخوة الفلسطينيين الذين يعون الواقع العربي وتبعات العالم الجديد ونظامه، وموازين القوة والقدرات، لكن هناك أيضاً وهم ليسوا بقلة من لا يعون شيئاً، ويعتبرون أن إنجاز أي مشروع تقوم به أي دولة عربية عار عليها إن لم يكن من أجل فلسطين، لو أعلنت المملكة عن مشروع فتح شبكة طرق لسمعنا ذات التعليقات عن التخوين وعن مال العرب وعن فلسطين وتحريرها. لديكم الآن دولتنا فلسطينيتان، من حقكم إذاً أن تطالبوا من جامعة الدول العربية بمقعد آخر إضافي، ليس قسماً بالله استهزاءً بقدر ما هو شعور بالمرارة، لم ولن يكن هناك خذلان من أي عربي تجاه فلسطين، ولكن أن تنتقصوا من الآخرين وتهاجمون بلدانهم وأنظمتهم وأنتم تعيشون بأفضل حال تضمنون حقوقكم وتعويضاتكم ولكم تميزكم الخاص فهذا بحق ما يجعل البعض يظن فعلاً أنكم لا تتمنون التحرير، بل جل ما تريدوه أن تتحول قضية فلسطين إلى فلسطين القضية إن لم يكن تحولت بعد.
alharbit@gmail.com