|
الثقافية - محمد هليل الرويلي:
وصفت الكاتبة والمؤلفة سكينة المشخص أن الكتابة أمر يأخذ مسرى الدم، وهي مسألة فطرية موهوبة، وقالت المشيخص إنني استحضر بدايات ارتباطي الحيوي بها منذ فترة مبكرة من الطفولة، وكنت أشعر بأنني مولود خلق للإعلام، وهو ما أنتج في ذاتي ذلك الشغف العميق للعمل الإعلامي الذي بدأته بمشاركات في الصحف المدرسية وربما لم أجد تشجيعا من المدرسة ولكني لم اترك الإعلام فكتبت أول قصة قصيرة وأنا في الصف الرابع الابتدائي تم نشرها في جريدة اليوم، وبعد سنوات اكتشفت أني لست قاصة، واتجهت بي تفاعلات كيمياء الكتابة منذ الطفولة أيضا إلى مسار آخر، حيث وجدت أن السياسة تشدني كثيرًا وتأثرت وقتها بأشعار أحمد مطر ولأول شعرت مرة أن شخصيات مثل ناجي العلي لها قيمتها السياسية والفكرية المذهلة، وكنت أقرأ في فترة مبكرة أيضا لغسان كنفاني وغادة السمان، ولم أع وقتها أن هناك سياسة لها قضاياها وتعقيداتها واتجاهاتها وانزياحاتها، ولذلك تطور الحس الكتابي في داخلي بعد اتضاح الرؤية واتساع العبارة، على نسق النفّري، للكتابة السياسية وكانت أول مقالة سياسية ناضجة في سنة 2007م في صحيفة إيلاف الالكترونية بعنوان «أوهام الصفوية في معارك إيران الخاسرة» وحققت صدى أسمع كثيرا، واعتقد أن اتجاهات تلك المقالة لا تزال تتحقق بما فيها من ديمومة وتوصيف يتطابق مع مجريات الواقع بصورة تتناسب وتفكيكه حاليا وحتى في المستقبل.
وأضافت المشيخص إن الكتب هي سنابل الزمن وحاملة التجارب والخبرات، وكما قال العقاد «أحب الكتب لأني أدرك أن حياة واحدة لا تكفيني» ولذلك قرأت منذ فترة مبكرة كثيرا من الكتب باعتبارها مؤانسة مذهلة نلتمس فيها رحيق المعرفة ومتعتها، ولكن بصورة عامة أحببت القراءة جدا لعلي شريعتي وإدوارد سعيد ونعوم تشومسكي والدكتور خالد الدخيل وفراس السواح وعدد كبير من الكتاب، وأيضا تحضر الرواية حيث أحب القراءة لواسيني الأعرج ودكتور يوسف زيدان والطاهر وطار، ولا يخلو الأمر من الشعر لمحمد الماغوط ومحمود درويش وعدنان الصايغ ومحمد الفيتوري.
وترى المشيخص بأنها مؤمنة بصورة حاسمة بأن حقوق الإنسان لا يمكن اجتزاءها، بمعنى ربما أكون مسلمة وأدافع عن يهودي مدني أعزل، من المهم أن نتعامل في السياق الإنساني بتجرد وصدق مع الذات، وهذا هو المبدأ الذي سرت عليه في العمل الحقوقي، واستحضر أنه في العام 2005م قرأت عن فتوى دينية عن زواج المتعة ووجدت أنها انتقاص لحقوق المرأة وعدم التعامل معها بصورة إنسانية تليق بالمكانة التي تستحقها سواء في الإسلام أو كل الديانات، ولذلك كإعلامية لا أملك إلا قلمي تحدثت عن هذه القضية، وكان الحصاد من رد الفعل كثير من الإشكالات غير أنني لم أتراجع، ولكن ربما تكون القضية الأبرز التي أحببتها وأحببت العمل فيها، تلك التي تناولتها من أجل المشاركة في عرضها على الرأي العام ومخاطبة المسؤولين وأصحاب الضمائر من أجل التعاطي الإيجابي معها لسبب بسيط، وهو اعتقادي بأن أصحاب تلك القضية يستحقون الأفضل، وأن إنسانيتهم تهان وهي قضية معسكر أشرف، وقد كنت العربية الوحيدة التي تحدثت عن هذه القضية وناشدت وقتها الولايات المتحدة الأمريكية لحمايتهم لأنهم بحسب اتفاقية جنيف الرابعة محميين، كما أنهم مدنيين عزّل، وإيران وحكومة المالكي يسومونهم سوء العذاب، وكتبت مقالات عن مجريات الواقع وحال المعسكر نشرتها ووجدت صدى كبيرا حتى أنني تفاجأت بوجودها في تقارير منظمات حقوقية عالمية، وصدقا لم أكن سعيدة حينها بوجودها في تلك التقارير بقدر سعادتي بأن هذه المجموعة التي أرى أنها مضطهدة استطاعت قضيتهم أن تصل إلى الأعلى نوعا ما، ومن بعض الردود المتفاعلة مع ما طرحته وقتها حصدت تطاولا وشتما، ولكني لم أتراجع مطلقا وليس لي ذلك لأن المبدأ ثابت وراسخ، وهناك قضايا أخرى لا تقل أهمية ولكنها الأهم وما زلت أنادي بحصول منظمة خلق لحقوقها كاملة.
وعن المرأة المبدعة التي يتجاهلها الإعلام تقول المشيخص هناك كاتبة قد لا توجد لها إصدارات حسب علمي، وهي كاتب مهمة جدا وتمتلك وعيا عاليا، وقد كنت وما زلت اتمناها أن تكون نجمة وهي كذلك وأعلى من ذلك، لأنها تستحق ذلك هي الدكتورة أمل الطعيمي زميلتي في جريدة اليوم فهي إنسانة رائعة ومثقفة عميقة، إن فاتها استحقاقها النموذجي من التقدير حاليا فهي إن شاء الله تجده مستقبلا لأن فكرها وثقافتها أكبر من أن يتجاوزها زمن أو جيل.
وأضافت أنا لا تشارك في أي فعالية إلا بدراسة جدواها الثقافية وتعبيرها عن جيلي، وفي هذا الإطار لدي مشاركات كثيرة سواء في الداخل أو الخارج ولكن يحضر إلى الذاكرة دائما مشاركتي في أمسية بنادي أدبي جازان في العام 2011م وكنت وقتها أول مثقفة سعودية تعتلي منصة نادي أدبي، وما زلت الأولى والأخيرة، وقتها شعرت بسعادة كبيرة لأني قفزت بالمرأة قفزة مهمة إلى ما تستحقه من حضور ثقافي واجتماعي، وأتذكر أن أحد الصحفيين سألني وقتذاك ولم تكن انتخابات الأندية قد بدأت.. أنت أول مثقفة تعتلي المنصة، فهل سنراك يوما ما أول رئيس نادي أدبي؟ فضحكت بشدة، وبقفزة ذهنية من ذلك السؤال وحتى الأمس القريب تبرز تلك الصورة الجميلة بأنني أصبحت عضو مجلس إدارة في نادي أدبي.
وكشفت المشيخص عن سبب انسحابها من عضوية مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بالمنطقة الشرقية: أن العمل في النادي الأدبي لم يكن يناسبني فانسحبت لأنه ببساطة إذا لم أحدث حراكا في مكان ما فذلك المكان لا يليق بي، ونحن جيل شاب لدينا رؤية مختلفة عن الأجيال السابقة، حتى مفهوم الثقافة ليس ثابتا بل متغير، كيف استطيع العمل مع مجموعة هي أكبر مني بكثير؟ كنت ارتطم كثيرا بالرفض لمجرد كون اقتراحاتي في أحيان كثيرة ينظر اليها بعدم نضج لذلك انسحبت، فهناك فجوة اتسعت وتحولت إلى جفوة، وقبل حدوث اصطدام الأجيال بدلا من تلاقيها كان لا بد من الانسحاب باعتباره خياراً سلساً ولا يعزز لمفهوم الصراع الذي لا يليق بي ولا بجيلي في عالم أصبح أكثر نضجا مما يبدو بغير ذلك لكثيرين من الأجيال السابقة وأضافت: الحال في مجالس الأندية الأدبية بصورتها الراهنة يعكس مأساة وأزمة الثقافة التي ينبغي أن تتعامل بتجرد وحياد فيما يتعلق بالجندر، ولذلك الإجابة ببساطة «لم تفعل شيئا وإنما تم تهميشها» وللأسف الشديد هناك سطوة ذكورية لا تزال تهيمن على إدارة الثقافة رغم حضور المرأة بفكرها ومنجزها وإنتاجها، والسؤال الذي يطرح نفسه بعد سنتين أو أكثر من انتخابات الأندية الأدبية.. أين هي المرأة في خارطة الأندية؟ وماذا استطاعت أن تفعل؟ ما زلت أتذكر أن الأستاذ عبد الله الكناني رئيس الأندية السابق كان داعما جدا لوجود المرأة ولأخذ فرصتها، ولكن المشكلة أن الإدارات نفسها تحجّم وجود المرأة، وذلك ضد المنطق ولا يتسم بالمعقولية.