كانت هي كل ما يريد، تعانده فيطوعها، تتمنّع أمامه (غنجاً) فيعمل أكثر لتكون أسيرته وخاضعة له. كان يدخل غرفة النوم الصغيرة المكتظة بإخوته وأحلامهم التي لا تشابه أحلامه، فيغمض عينيه الصغيرتين بقوة ويضع وسادته على رأسه طمعاً ببعض الهدوء الذي يضمن له استغراقاً في حلم يقظة يراها فيه، راجياً من الله أن يستمر هذا الحلم في منامه. كانت كل حياته، وعالمها يستهويه حد الوله، يتابع أخبارها ويترقب مستجداتها متخيلاً نفسه محوراً لاهتمامها. دائماً كان الاختيار يقع عليه أولاً بين نظرائه في المدرسة أو في الحارة. كيف لا وهي معه أجمل؛ كانت متعته خالصة معها، بلا مطامع فهي الهدف المنشود وهي كل الحلم، إلى أن وصلته رسالة قصيرة من معشوقته مفادها: أريدك لي وحدي، بلا مشاغل جانبية أو مؤثرات خارجية. أخيراً تحقق الحلم، فبعد أن كان حباً من طرفٍ واحد، ها هي تطلب وده ليكون لها فقط. تفرغ لها، ترك دراسته جانباً، والأحلام التي صنعها لها غيره أصبحت في مهب الريح، هو لها فقط بلا منافس ولم يهتم بضآلة مبلغ التفرغ لها أو (احتراف حبها) فهو لا يوازي متعة التواجد معها دوماً. ولكن استمرار الحال من المحال، فاسمه قد برز وازداد عدد محبيه وكبُرَ في داخله سؤال أخذ يشغل تفكيره ليل نهار: هل ما أتقاضاه منها يوازي قيمتي واسمي؟ ساومها كثيراً فمنحته مقابلاً يوازي ذلك العشق القديم، أعطته ما لم يحلم باقتنائه من مال و شهرة وقبول اجتماعي كان منذ سنوات قصار فقط يراه محض خيال يستحيل حصوله. وفجأة بدأ عالمه الجديد يستهويه أكثر منها، فدعوات المحبين كثيرة ومغريات دعواتهم أكثر، فاستهوته حياة النجومية تلك، وأصبح يخلف مواعيدها يوماً تلو الآخر، وإن حضر لها وصل متأخراً. تناديه: أعطيتك فاعطني، أوفيت عهدي لك فبادلني الوفاء، فإني لا أرضى بغير اهتمامك الكامل، فالعمر يمضي ولقاؤنا ليس أبدياً، اغتنم فرصة قربي لأعطيك أكثر. ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد انغمس في اللهو أكثر وابتعد عنها كثيراً، وتلك الأقدام التي كانت تحمله للقائها قد هرمت وثقلت حركتها، ولا مجال للاستدراك، فقد ذهبت إلى من أحبها أكثر وحرص على رضاها أكثر. وأصبحت الأصابع تتجه إليه قائلة: (لقد كان نجماً).
قصة تتكرر على مسامعنا يومياً من لاعبين وضعوا حبهم لتلك الساحرة المستديرة جانباً، وأغرتهم الشهرة التي نتجت من خلالها إلى أن لفظتهم خارج منظومتها، فكما قيل دائماً: كرة القدم تعطي من تعطيها، وفي زمننا هذا تعطي كرة القدم من المال والشهرة ما لا تعطيه أي مهنة أخرى، فمن فقر مدقع إلى غنى فاحش وشهرة طاغية إلى نهاية حزينة يطغى عليها التسول والبحث عما يسد الجوع ويستر الجسد.
كم من لاعب يرى حياته الكروية (القصيرة) فرصة لا تعوض يجب استغلالها إلى أقصى حد؟
كم من لاعب يرى أن التفاني في التدريبات والمباريات هو مجرد ثمن بخس نظير ما سيتحصل عليه لبقية عمره؟
كم من لاعب يرى موهبته وجسده وصحته ولياقته (رأس مال) يجب المحافظة عليه وزيادته؟
للأسف، ما أقل هذا النموذج لدينا.
بقايا..
- لماذا لا تضع الأندية في عقود لاعبيها عقوبات مالية ضخمة لمن يثبت عليه السهر أو تعاطي الممنوعات؟ ألا تملك حرصاً على استثماراتها؟
- أغلب من يمارس كرة القدم لدينا هم هواة برواتب محترفين، ألا يوجد رئيس نادٍ ذو نظرة ثاقبة يزيل غبار الهواية عن عقولهم باستقطاب محاضرين نفسيين وطبيين وفنيين وإلزام لاعبيه على الاستفادة من تلك الخبرات؟
- لا نستطيع تعيين حارس شخصي لكل لاعب يراقب حركاته طوال اليوم، ولكن نستطيع غرس ذلك الحارس في دواخلهم بالتثقيف والعلم، فتصبح الرقابة داخلية.
- لا يمكن بأي حال من الأحوال إقصاء مدراء اللاعبين من دائرة الاتهام، فهم ملزمون بالمحافظة على استثماراتهم، ويجب عليهم عدم الاكتفاء بالظهور وقت التوقيع (كسماسرة)، فحتى هذه العقود ستختفي قريباً إذا لم يتم المحافظة على مصدرها.
- سنوات ضوئية تفصلنا عن الاحتراف الحقيقي، والمؤلم أن تدارك هذه المسافة ليس مستحيلا، ولكن من يريد أن يخطو الخطوة الأولى؟ للأسف لا يوجد متطوعون لهذا.
خاتمة..
(أنا من أشد المؤمنين بالحظ، وقد لاحظت أن حظي يزداد كلما زاد عملي)
توماس جفرسون
Twitter: @guss911