لكل قوة دولية، أو لكل دولة تطمح أن تكون دولة مؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي، مشروع أو هدف تسعى إلى تحقيقه من خلال استثمار قدراتها وتوظيف مواردها وقواها الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية ومواردها البشرية إضافة إلى موقعها الاستراتيجي والاستفادة من خيراتها وتاريخها.
هو أمر مؤكد ونهج تسير عليه جميع الدول، وإذا حاولنا أن ندرس حال المنطقة العربية ومحاولات دولها وشعبها، وهل تنهج الدول الإقليمية المؤثرة النهج العلمي للحفاظ على مصالحها في وجه تكالب القوى الدولية والدول الإقليمية المجاورة للنيل من هذه المصالح وتعظيم مكاسبها على حساب المصالح العربية.
الوطن العربي الذي طغت على تسميته منطقة الشرق الأوسط منذ مائة عام، واقتسام بريطانيا وفرنسا مناطق النفوذ في بعض دوله بعد اتفاقية سايس - بيكو، ثم خوض العرب مرحلة النضال ونيل الاستقلال لتبرز الدولة القطرية العربية وتظهر على الأفق السياسي دول إقليمية عربية مؤثرة ارتبطت بصفة مباشرة أو غير مباشرة بقوى دولية فرضت نفسها من خلال قوتها الاقتصادية والعسكرية كقوى دولية لا يمكن الاستغناء عنها، لينقسم الوطن العربي إلى معسكرين حسب تعامل كل معسكر مع القوة الدولية التي تشابكت مصالحها مع مصالح تلك الدول العربية الناشئة والحديثة الاستقلال، وهو ما أثر على حدٍ بعيد على استقلالية القرار السياسي العربي الذي وإن حاول أن يكون مستقلاً إلا أن ميراث الاستعمار وتشابك المصالح وعدم بلورة فكر سياسي عربي نابع من الانتماء الإسلامي والتراث، جعل الدول العربية تابعة لما كان يتداول من نظريات سياسية وأساليب حاكمة ونظم فلسفية سياسية، في الوقت الذي بلورت فيه الدول الكبرى مشاريع وخططاً لإبقاء هيمنتها وسيطرتها على الدول العربية، بل تطور الأمر إلى زرع «قلاع» متقدمة داخل الوطن العربي كالكيان الصهيوني ليساعد على تنفيذ مشروعها من خلال تنفيذ مخططات الإلهاء والحروب والإضعاف، أما الدول العربية فافتقرت إلى مشروع سياسي متواصل ومستدام، وإذ شهد الوطن العربي مشروعين لم يكتب لهما النجاح بالمواصلة، وهو المشروع الإسلامي الذي رفع لواءه الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- واستطاع أن يؤمن مدّا إسلامياً وعمقاً إستراتيجيا للوطن العربي إلا أنه لم يواصل مسيرته الأولى ولا يزال يراوح عند مشروع منظمة المؤتمر الإسلامي الذي تحول إلى منظمة التعاون الإسلامي. أما المشروع الآخر فهو المشروع القومي الذي بدأه المؤسسون الأوائل للفكر القومي، ساطع الحصري وزملاؤه ثم طوره البعثيون وبعدهم تبناه جمال عبدالناصر، إلا أن القوميين أضعفوا مشروعهم باختلافاتهم وكيدهم لبعضهم البعض لينتهي المشروع مختطفاً من قبل الطائفيين كما حصل في سوريا، وعائلياً مثلما آل إليه الحال في العراق. ويظل الوطن العربي بحاجة إلى مشروع سياسي إستراتيجي متكامل يوظف القدرات والموارد العربية، وهو ما يتطلع إليه العرب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العرب.
كيف يتم ذلك؟ وما هي الأدوات؟ ومن يتصدى لذلك؟ هذا ما سنواصل الحديث عنه.
jaser@al-jazirah.com.sa