الدولة التي لا تدعم سطوة وقوة التقنية وتمنحها حجم نفوذ هائل لأمنها وسلامتها أو تدعي أنها لا تراقب هي إما تعبر عن غبائها أو تستخف..!
مرة أخرى، إنه عصر المعلومات الأخاذ وفي كل اتجاه تتدفق المعلومات بدقائقها إلى وعبر خوادم متصلة لم تعد تحذف أي شيء بما فيها تغريدتك التي كتبتها من أول يوم إلى ما قبل قراءة هذا المقال وبعده، وبريدك الإلكتروني طوال السنوات الماضية كل شيء باق للأبد حتى بعد اعتقادك أنك مسحتها نهائيا!
من بين المواقف التي قد تصدم المدافعين- الطيبين- عن الحريات في العالم، اتفاق معظم أعضاء الكونجرس الأمريكي على برنامج حكومي للتنصت على المواطنين.
معظم أعضاء الكونجرس الأمريكي بما فيهم أولئك الذين ينتقدون أوباما باستمرار ساندوه بعد أن كشفت تقارير أن الحكومة تنفذ عمليات تجسس واسعة النطاق على اتصالات الأمريكيين وأنشطتهم على الإنترنت..!
إلا أن عدداً قليلاً من أعضاء الكونجرس دعا لإجراء تحقيقات أو عقد جلسات مغلقة عقب الكشف عن أنشطة التنصت وتقدمت مجموعة صغيرة بمشروع قانون يهدف “لوقف تنصت وكالة الأمن الوطني على مواطني الولايات المتحدة”.
لكن حتى في المعارضين لبرامج التنصت الاختلاف ليس حول وقف كلي للتنصت وإنما في مشكلة تحقيق توازن بين حماية الشعب الأمريكي وحماية الحريات، حيث يبقى الاعتقاد أن هذه البرامج أنقذت أرواحا، وحفظت الأمن ضد عمليات إرهابية محتملة وغيرها!
سلطة المعلومات هي السلطة المطلقة والجديدة للدولة ولا يمكن لأي حكومة مهما تواضعت إمكانياتها ومواردها أن تتخلى عنها لشركات الاتصالات والمعلومات والإنترنت أو أن تقف متفرجة أو تدعي المثالية الخيالية حتى لو أرادت. ليس اليوم ولا في المستقبل سلطة الحكومات على المعلومات سلطة نهائية وضرورية للأمن والاستمرار والنفوذ!
ستشاهد في الصحف حول العالم إعلانات عن طلب عملاء لوكالات الاستخبارات تنشر في الصحف، ولا يتوقف الطلب على (مخبر) أو عملاء تقليديين بل ستجد قائمة طويلة من محللي نظم ومعلومات وتقني اتصالات وبيانات ولغويات....الخ
دوائر المعلومات تتسع وتضيق في الوقت نفسه وفوق كل ذي علم عليم، مثل سلسة طويلة من التحليل للمعلومات المجمعة وتصنيفها، ليصبح الشخص - المواطن - مجسداً معلوماتيا بالكامل لتفاصيله الشخصية ومزاجه العام، بحيث يسهل رصده أو توقع حركته التالية.
الحاسبات الكبرى فائقة السرعة تحول في ثانية الفرد - الموطن - إلى (رجل آلي) يمكن محاكاة تصرفاته وطريقة تفكيره وردود أفعاله.
لكن هذا قد يبدو على مستوى استخباري أعلى، حسب قيمة الفرد وتصنيفه إلا أن التطورات التقنية الهائلة تجعل الإمكانية للتطبيق على كل رقم سجل مدني - المواطن الرقمي - بحيث تتم محاكاة رعية أو شعب بالكامل.
هو عصر الشفافية -الإنسان الشفاف- ودحر الخصوصية كل شيء يرصد ويوثق ويسجل إلى عقود وعقود قادمة في ألواح إلكترونية محفوظة!
استمتعوا بحياتكم فالحكومة تراقب وترصد كل التفاصيل لكنها لا تهتم إلا بأمن الدولة وسلامة البلاد وحفظ الكيان أما تفاصيلكم الأخرى الصغيرة فهي محفوظة لكنها مهملة حتى إشعار آخر!
أو كما علق أحد الزملاء “الحكومات ليس لديها وقتا لمتابعة تفاصيل الناس الصغيرة مهما كانت حساسة لأنها مشغولة بأمنها وعليك أن تثق أن الحكومة ليس لديها معاهدة مع الزوجات..!”