|
الرياض - أحلام الزعيم:
سيجبرك المشهد - كما حدث معي - على التوقف والمراقبة، إذ لن تستطيع كتمان ملامح الدهشة وأنت ترى الأيدي الناعمة تغازل برقتها لوحات إلكترونية وكهربائية شديدة الدقة بمهارة فائقة وتناغم هائل. وحين لاحظت إحداهن علامات التعجب المتطايرة حولي اقتربت مرحبة بي وهي تقول: «أهلاً بك في ورشة طالبات الهندسة الكهربائية والإلكترونية».
في الورشة التقيت حنان باويان التي لم تواجه أي مخاوف في قرارها دراسة هذا التخصص الجديد على السعوديات، إذ تعد حنان واحدة من أول ثماني طالبات درسن الهندسة الكهربائية والحاسوبية في جامعات سعودية: «لم تربكني فكرة عدم توفر وظائف نسائية لهذا التخصص، ولم تربكني فكرة المجتمع السلبية وفهمهم المغلوط لهذه الوظيفة رغم كثرة الجمل التي سمعتها من نوع: ستدرسين حتى تتخرجي لتركيب الأسلاك في العمارات».
مها نور فتاة أخرى قالت إن والدها، خريج قسم الهندسة من جامعة أمريكية، شجعها على دخول القسم بعد أن لاحظ ميولها الشديد لمادتي الرياضيات والفيزياء وهو ما جعلها تختار دخول هذا القسم الذي وصفته بأنه تطبيق الرياضيات والفيزياء على أرض الواقع. غير أن هذه العثرات لم تجعلهن يرجعن خطوة للوراء للبحث عن نجاح أكثر يسراً، بل ثبتن أقدامهن على عتبات مجد واعد، وكانت المفاجأة السارة التي أزاحت عنهن هم الحواجز الكبيرة التي اختلقتها «خصوصية المجتمع» حين تبنت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية عدداً منهن عبر دفع مستحقات الجامعة وتأهيلهن لدراسة الماجستير في ذات التخصص بها.
شركات عالمية شهدت لهؤلاء المهندسات الشابات بالتفوق والدقة. وحرصت أن تقدّم لهن عروضاً وظيفية تتناسب مع همتهن العالية. فـ «حنين» تدربت في شركة «أرامكو» السعودية وشركة «شنايدر إلكترك» الفرنسية والتي وصف مدير فرعها في جدة المهندس هشام أبو الرجال أداء الطالبات خلال التدريب بأنه مذهل وفاق التوقع.
إضافة إلى ذلك فقد شاركن في مسابقة للمشاريع الهندسية تنظّمها «جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات العالمية» ieee وأحرزن المرتبة الثانية عبر مشروع الذراع الإلكترونية الذي يساهم في تصنيف وتنظيم الواردات في الميناء. مها وحنين لم يدخلن الميناء على أرض الواقع لأنهن «فتيات»، غير أنهن تمكّن مع زميلاتهن من تقديم مشروع سيساهم في تطوير هذا القطاع بشكل كبير جداً.
حواجز (ممنوع الاقتراب وللرجال فقط) تلاشت بهمة هؤلاء الفتيات حين قررن تحويل حياتهن إلى سباق كبير للقفز على الحواجز حتى تعالت قفزاتهن ولم يعد لهذه الحواجز أي وجود في طريقهن. إنهن باختصار من يشكلن ملامح الغد.