لا يزال الوضع السوري حرجاً، ومتأزماً، وهناك من يقول إنها أصبحت ساحة لتصفية الحسابات بين الغرب من جهة، والشرق ممثلاً بقيصر روسيا، والصين من جهة أخرى، وقد كتبت كثيراً، وزعمت أنّ هذا الصراع الذي يبدو للعلن بين الغرب، والشرق قد لا يكون هو كل الحقيقة، ففي تجارب سابقة تمكن الأمريكيون من تحييد الروس، كما في حالة ضرب العراق في 2003، أو ليبيا في 2011، وقد كتبت قبلاً، وذكرت أنه لن تكون هناك رغبة حقيقية لدى الولايات المتحدة، وحلفائها في إسقاط نظام الأسد، إلاّ بعد أن يتم تدمير سوريا، واستنزاف قوّتها العسكرية، إضافة إلى توفر البديل المناسب، والقادر على تهدئة الحدود مع إسرائيل كما فعل الأسد ووالده، ويبدو من خلال التطور الأخير في الموقف الأمريكي أنّ هذه الشروط قد تحققت!.
لقد نجح الأسد الصغير في تحويل الثورة، والتي قيل عنها يوماً إنها واحدة من أعظم الثورات، إلى مجرّد «حرب أهلية»، أو حرب طائفية إن شئت الدقة، فهذا هو الاسم الذي يطلقه عليها الإعلام الغربي حالياً!، كما ساهمت «جبهة النصرة» في تفاقم الأمر، إذ كانت سبباً رئيسياً في اقتناع الغرب بخطورة سقوط نظام الأسد، في ظل احتمالية وقوع أسلحة في يد هذا التنظيم، وفي ظني، وبعيداً عن العاطفة، أنّ الجبهة لم تقصر في ترسيخ مخاوف الغرب، وهو الأمر الذي أضر كثيراً بالثورة، إذ كان كثير من المحللين قد أشار في بداية الثورة إلى أنّ دخول المقاتلين الأجانب، ومقابلة عنف النظام المتوحش بطريقة مماثلة سيضر كثيراً بالثورة، وهذا ما حصل بالضبط، فقد وصلت الأمور حد التدخل العلني لحزب الله اللبناني - الإيراني في مواجهات مباشرة مع الثوار بحجة مواجهة من وصفهم أحد المسؤولين الإيرانيين بالإرهابيين، وهاهي الأوراق تختلط الآن بشكل لم يكن النظام السوري يتخيله في أفضل أحلامه!.
وعوداً على «جبهة النصرة»، فقد انتشرت كتابات على جدران مدينة القصير تشير إلى أنّ الجبهة ستواصل جهودها الجهادية لتحرير بعض الدول العربية التي تخضع للاستعمار الغربي!، وذلك بالطبع بعد انتهاء مهمتها في سوريا، وكأنها تعمل بلا كلل لدعم مزاعم الأسد، والذي كان يردده منذ بداية الثورة من أنّ نظامه ليس في مواجهة مع الشعب، بل في حرب وطنية ضد الجماعات الإرهابية المسلحة، وقد وصل الأمر درجة أنّ الإعلامي الأمريكي ديك كلارك قال قبل أسابيع في برنامجه الإذاعي: «إنّ هناك حرباً قائمة في سوريا بين نظام إرهابي، ومجموعات إرهابية، ولذا فإنه لا يتوجب علينا التدخل، بل يجب أن نتركهم يقتلون بعضهم البعض، فهذا هو تحديداً ما نريد!»، ولعل ما قاله السيد كلارك يلخص الموقف الغربي الرسمي حتى قبل أيام، ولكن يبدو أنّ الوقت قد حان للتدخل الأمريكي، إما لتوفر الشروط المذكورة سلفاً، والنية الجادة لإسقاط بشار، أو لإعادة التوازن للصراع السوري، وذلك بعد رجوح الكفة لصالح بشار بعد سقوط القصير، وإعادة التوازن هنا تعني أن يستمر استنزاف الأطراف المتصارعة لبعضها البعض برعاية أمريكية!، وقد يستمر هذا الأمر سنوات عديدة، فلننتظر، ونرى ما تخبئه الأيام.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2