قرارات وزارة العمل بتأنيث عدد من الأنشطة التجارية، وحصرها على الفتيات السعوديات، هي خطوة حققت أبعاداً أوسع لعمل المرأة السعودية في السوق، ومشاركتها الفاعلة في الحياة العملية، تحديداً في الأنشطة التجارية، وهو غطاء إقناعي استخدمه المسئولون في العمل كان يستهدف بادئ
ذي بدأ إقناع شريحة من أبناء المجتمع بأهمية عمل المرأة، خاصة إذا ما عرفنا جميعاً، أن هناك أصواتاً كانت تعارض مثل هذه الخطوة.
القرار نفذ وبدأ يحقق أهدافه، والآن في قرارات السعودة الملزمة للمحلات والمؤسسات والشركات، تمثل مالكة النشاط، إذا كان النشاط باسمها، نسبة من نسب السعودة إذا كانت متفرغة له، ولا تعمل في أي مؤسسة أخرى، في أي نشاط كان، سواء أكان مقصوراً على الأنشطة المؤنثة، التي تحددت من قبل الوزارة أو أي نشاط كان، بشرط أن تكون المرأة قادرة على التواجد في هذا النشاط وإدارة أعمالها بنفسها.
ما الذي حصل بالضبط، وما هي نتائج هذه القرارات، هل فعلاً تلك المخاوف التي كان يتشدق بها الكثير من معارضي مثل هذه القرارات تحقق منها شيء؟
هذا سؤال أوجهه لهم، وليجيبوا عليه بمفردهم، وبعد تفكير كاف!
لأنني أرى الأمر من زاوية أخرى، حيث أنظر إليه يعكس تحقيق الهدف من مشاركة المرأة في الحياة العامة، بكل ما فيها من أنشطة طبيعية يمكن لها أن تمارسها في ظل تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، الذي يدعو الرجل والمرأة إلى العمل على حد سواء، ويكلفهما بالتكاليف الشرعية في شكل متساو، مع مراعاة الفروق البيولوجية التي تميز المرأة عن الرجل، وهي معروفة، وتستثنى فيها المرأة أبانها من بعض التكليفات الشرعية في أوقات أو أزمان محددة، الأمر الذي يجعل المرأة غير مناسبة في ذات الوقت أن تعمل حمالاً مثلاً، أو بناءً، أو خلافه من الأعمال الشاقة، ولعل تجربة كبرى مثل ما خطته المملكة مؤخراً بإشراك المرأة في القرار السياسي من خلال دخولها عضوا في مجلس الشورى تمثل الخطوة الأهم في هذا الاتجاه والتي بطبيعة الحال، تحتاج الوقت الكافي للحصول على الفيدباك الذي يبين آثار هذا القرار وتأثيراته على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المملكة، وكافة مناحي الحياة.
إننا يا سادتي نعيش تحولات كبيرة، ولم يعد أبناء المملكة يعيشون معزولين عن دول العالم، بمعنى أن النظام القروي الذي كان يعيشه الأجداد قبل 50 عاماً، قد تحول كلياً، وبت مضطراً لأن تكون شخصاً فاعلاً في مجتمع مدني، سواء تحققت لك الحياة المدنية كاملة أو جزئية إلا أنك مضطر أن تتكيف مع الواقع الجديد والتغيرات التي تحصل من حولك في العالم أجمع الذي أصبح متفاعلاً مع بعضه البعض، متأثراً ومؤثراً، رضينا أم أبينا، وفي ذات الوقت، لا يمكن أن تكون المرأة في معزل عما يحصل حولها، لا تعي ما يحاط بها أو ما يعمل لها أو ضدها، في الخفاء أو في العلن، لأنه لا مجال للعمل في الخفاء كما كان في السابق، باتت الشفافية أمراً مفروضاً على الجميع، لأن الإعلام يراقب، والعالم ككل يتابع كل ما يجري في كافة بقاع الأرض، وفي ذات الوقت، أنت مطالب كدولة بتحقيق أمور جوهرية منها حقوق الإنسان، وحقوق الطفل، وحقوق المرأة وحقوق الأقليات، وما إلى ذلك، فالمنظمات الحقوقية متابعة لأنشطة الدول في هذا الجانب، وليس الأمر مطلوباً أو محدداً بالمملكة وحدها، ولكن كافة دول العالم ذات العلاقة بالنشاط التجاري، ومنظمة التجارة الدولية، وعليك أن تكون محققاً لتلك الشروط أو أن تصبح معزولاً عن العالم، تعيش داخل كهفك وحيداً.
k.khodare@gmail.comكاتب وإعلامي