بغض النظر عن النظرة العامة لماهية العلاقات العامة أو منحها شهادة ثقة أو شك، ما تناولناه من متابعة تاريخية لدورها في خدمة استقرار وبقاء ونماء أو فشل المؤسسة, يشير إلى حاجة القيادات الرسمية والشعبية في أي مؤسسة كبيرة أو صغيرة، دولة أو شركة, إلى جهاز علاقات عامة فاعل وواع لأهمية دوره, وأنه ليس دوراً هامشياً سطحياً بل جزء لا يتجزأ من نجاح صناعة القرار, وبمباركة من القيادة الأعلى. ويجب أن يكون صادقاً مع الطرفين: صادقاً فيما يوحي للجمهور وصادقاً في ولائه للإدارة وما ينصحها به. العلاقات العامة الناجحة ليست علاجاً ما بعد كالمضادات الحيوية تلجأ إليه المؤسسة لمعالجة أزمات سوء الإدارة في عشوائية القرارات أو عدم اعتمادها على دراسة مسبقة للعلاقة القائمة والمطلوبة بينها وبين جمهورها, أو تقليص الخسائر بعد انفصام العلاقة بين المؤسسة وجمهورها. في مثل هذا الدور تستمر الحالات في التردي ويتبع كل قرار لتحسين الوضع تعليق مؤلم للطرفين: «اتسع الشق على الراقع»! أو «فات أوان تحسين العلاقات». العلاقات العامة الناجحة هي جزء لا يتجزأ من العمود الفقري للمؤسسة وتخطيطها المدروس للنجاح من أول الخطوات.
هل حققت أي مؤسسة هذه الدرجة المميزة من نجاح العلاقات العامة؟
في الغالب.. لا! مع الأسف ولكن وجود القيادة الواعية على رأس أي مؤسسة يجعلها تتفهم ضرورة وجود الكفاءات الكفؤة في إدارة العلاقات العامة, بنفس الأهمية والتدقيق التي توليها أيضاً لاختيار الطاقات الكفؤة في الإدارة التخطيطية والتنفيذية. موقع العلاقات العامة موقع محوري أرقى بكثير من تلقي رغبات القيادة العليا للمؤسسة وتنفيذها. في الأوضاع المعتادة تفتقد الإدارة العليا إلى تفهم محيطها الخارجي والتعرف على الرغبات المشتركة بينها وبينه. في هذه الحال رؤية القيادة العليا تحتاج إلى المزيد من الصفاء وقراراتها تحتاج إلى المزيد من التروي وسماع نصيحة من هم أقرب منها إلى جمهورها. ولا مؤسسة تدوم متى ما انقطع التفاهم والود بينها وبين جمهورها. على أرض الواقع؛ جزء كبير من الفجوة القائمة والمتنامية راهنا بين الجمهور العام وما يعلن رسمياً تعود إلى أن وسائل الإعلام الرسمي ما زالت تقوم بدورها كعلاقات عامة تقليدية ولاؤها لطرف واحد.. وبالتالي ما زالت شعبياً تقصر عن منافسة وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل الفعال. وليس بينها والجمهور تواصل متبادل ومثمر يقوم على الشفافية والمصداقية والثقة. وحين أقول مثمر أقصد ذاك الذي يقنع المتوجسين ليغيروا رأيهم, فمجرد تأطير حدث ما أو قرار ما إيجابياً في عناوين الأخبار لا يعني أن الناس قد اقتنعوا به! حتى لو كان إيجابياً بالفعل! بل قد تجيّش لإفشال القرار الفئة التي يهدد مصالحها أو سيطرتها على المجتمع, مقاوِمة بضراوة كسر تحكمها في التصرف المجتمعي العام بشأن أي قضية. وهي فئات منظمة سخرت -بدرجات متفاوتة- أجهزة التواصل الاجتماعي مثل تويتر والفيسبوك واليوتيوب والإنستجرام والكيك لخدمة أهدافها الخاصة. فقط حين تكون العلاقة وطيدة, عبر علاقات عامة سليمة تقوم على الحوار الشفاف بين المؤسسة وجمهورها, الشركة وعملائها, والدولة ومواطنيها ومبنية على الثقة والمصداقية, تفشل محاولات التأليب أو التأجيج أو التشكيك في المؤسسة حتى في حالة تعرضها للأزمات بل يدعمها جمهورها لكي تستعيد حيويتها عند حدوث الأزمات.