الإسلام دين محبة. الإسلام دين سلام. الإسلام دين احترام للآخرين من الديانات الأخرى طالما احترموا الدين الإسلامي. الإسلام دين قيم تصب كلها تجاه كرامة الإسلام ومحبة الإنسان في العموم ومحبة المسلم لأخيه المسلم دون تعصب ولا تحزب أعمى.
دين يقدم كل القيم والمبادئ الإنسانية التي يتشارك فيها أو في غالبيتها كل البشرية. لم يفرق بين رجل وامرأة في العبادات والحقوق والواجبات. حدد الحقوق وحدد طرق ممارسة العبادات وكيفية التعامل مع الآخر في عمومها الاحترام. هو دين يسر لا دين عسر هو دين سماحة لا دين تعقيد. هو دين يحث على التيسير، ويحب الله في دينه أن تأتي رخصه في كل العبادات من مسح على الخفين من جمع وقصر من صوم وإفطار من أفراد في الحج وإقران من درء للحدود بالشبهات وغيرها كثير وكثير شيء أعلمه وشيء أجهله. هو دين يدعو للتسامح والصفح والغفران في العموم. هو دين يدعو أتباعه إلى الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والبعد عن الغلظة. هو دين يدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هو دين يدعو إلى الرفق بالحيوان والعناية بكل أنواع الحياة في العموم كل نوع بما يستحقه من العناية. هو دين المعاملة والمعاملة والمعاملة فأين نحن منها؟
مورس الدين الإسلامي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين بشكل أقرب إلى المثالية رغم شظف العيش. الكل من أفراد المجتمع عرف حقوقه. الرجال ترتفع أصواتها بالحق دون تشنج فيقبل الخليفة ويستمع. النساء ترتفع أصواتهن ومطالبتهم فتحترم تلك المطالبة من قبل الخليفة لفهم الخليفة للإسلام ولفهم المرأة لحقيقة الإسلام. التوجه كان واحداً للدولة الإسلامية آنذاك. إن وجه الخليفة بالجهاد أطاعوا وإن منع عنه أطاعوا. حدثت الفتن والانشقاقات منذ زمن مبكر في الدولة الإسلامية الفتية وسالت دماء. الكثيرون شقوا عصا الطاعة في عهد بعض الخلفاء الراشدين وفي الخلافة الأموية والعباسية. واستعان بعضهم على بعض واستعان البعض بالله على إخماد الفتن. توحدت الدولة الإسلامية ثم تشرذمت وهي للأسف اليوم في أسوأ حالاتها من التشرذم الجغرافي والتشرذم المذهبي والتشرذم التحزبي .
أصبح هناك دول ودويلات ورضي كل بما قسّمه الله له بعد حراك وعراك وقتل وسحل ونهب للخيرات من قبل المستعمر الذي جثم على أراض كثير من الدول الإسلامية ردحاً من الزمن. استفاق المسلمون على تقسيم أراضيهم بحدود استخدمت فيها المسطرة والقلم بخطوط مستقيمة في غالبيتها. شتتت شعوباً ومزقت أراضي وأبقت على بؤر صراعات ونزاعات - كشمير - فلسطين - جنوب السودان - الصحراء الغربية المغربية - أراضي الكرد - وغيرها وغيرها كثير. أغلبها في بلاد العرب. أشغلتهم هذه البؤر سنين وسنين ولا تزال. لكنهم في الآونة الأخيرة نسوا بؤر الصراع وعادوا على أنفسهم ليخلقوا صراعاً أشد ضراوة وشراسة - تونس- ليبيا - مصر اليمن - سوريا. أنظمة قمعية سابقة نجحت في جوانب وفشلت في أخرى. سقطت كل تلك الأنظمة إلا نظام سوريا.
المطالبة كانت بالديموقراطية ولكنها لم تر النور بشكل حقيقي. رشحت بعد هذه الثورات مطالبات بالتقسيم بمطالبات بالفدرالية والكونفودرالية مطالبات بلا مطالبات. قعقع السلاح وتحارب الإخوة وتناحروا، اغتصبت النساء وقتل الأطفال وأبرياء كثر. أندس بينهم المخربون والمرتزقون والمفتنون والمحرضون والاستخباريون. ولغ الجميع في الدم ولم يراع أي منهم إلا ولا رحمة. ظهر مفتون بل مفتنون لا يعرفون عن الإسلام شيئا. مفتون يشتمون ويتهمون الناس في أعراضهم ويفرون بما لا يدرون. وفي ظل عجز الدول التي ظهروا فيها أصبحوا يسرحون ويمرحون . خشي أهل الثقافة على ثقافتهم وخشي أهل الفن على فنهم وخشي الناس على أنفسهم. اعتداءات في قاعات المحاضرات واعتداءات في قاعات السينما واعتداءات في الطرقات. واعتداءات من على منابر المساجد.
فقد العقل رجاحته وفقد القائد هيبته وفقدت الأمة قدوتها.
ما بال البعض ممن ينتمي إلى الإسلام يحمل معول الهدم للقيم الإسلامية ؟ ما بالهم يشوّهون صورة الإسلام؟ ما بال البعض من الخطباء على منابر المساجد يأخذهم الحماس والاندفاع يشتمون ويدعون على المسيحيين واليهود وغيرهم ثم يختمون بالقول اللهم أهلك أعداء الدين. ألا يكفي أن يكون الدعاء على أعداء الدين في أي مكان دون تحديد لأتباع ديانة معينة؟ أليست الدعوة على المسيحيين واليهود وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى تحريضاً وخلق الكراهية؟ كيف يتماشى ذلك مع الدين الإسلامي؟ من أين خلق ذلك الدعاء؟ هل هو سنّة أم من القرآن؟ ماذا تتوقعون من المسيحيين واليهود الذين يسمعون ذلك الدعاء ويعلمون عنه؟ ماذا تتوقعون من الساسة والقادة والمخططين الاستراتيجيين وصناع القرار في تلك الدول التي تدين بالمسيحية واليهودية؟ إنهم يفعلون أكثر مما يقولون هم لا يدعون على أحد، ولكنهم يستمعون ويصغون جيداً لما يدعى عليهم به أكثر من المسلمين أنفسهم الذين يستمعون إلى الدعاء في المساجد. هم يحللون كل ما يدعى به عليهم. هم يخططون جيداً ويضربون ويخربون جيداً. أما المسلمون في العموم فمن المؤسف أن ليس لديهم إلا الدعاء والدعة والركون والسكون، وما ينبثق من بينهم من متطرفين ينحرون وينتحرون دون هدف واضح ولا مفيد بل جلب مزيد من العداوة والبغضاء للمسلمين والإسلام. كلما وقع انفجار في أمريكا أو أوربا وضعنا أيدينا على قلوبنا بأن لا يكون من أبناء جلدتنا أولاً وبأن لا يكون من المسلمين ثانياً. أصبح الغرب تجره الشعرة تجاه تهديد المسلمين بحجة حماية أمنهم الوطني. هذه الحجة استخدمت في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن وليبيا ومالي والسودان والصومال والحبل على الجرار. هل نحن بحاجة إلى كسب عداوات؟ أليس الأولى أن نخلق صداقات بدلاً من خلق عداوات؟ أين حكمة الصمت ورجاحة العقل وجودة العمل؟ ماذا صنعنا حتى نثق في أنفسنا؟ ماذا صنعنا حتى يتهيب عدونا؟ ماذا صنعنا لنرهب به عدو الله وعدونا؟ أصبحت كثير من أراضي المسلمين مستباحة للاستخبارات والاغتيالات. أصبحت سماوات كثير من الدول الإسلامية مستباحة ليس فقط بالأقمار الصناعية التي تصور ما تشاء متى ما تشاء وأين ما تشاء، بل بالطائرات دون طيار تقصف وتقتل, لا حسيب ولا رقيب ولا رادع ولا زاجر. هل ينفع الدعاء على أعداء الإسلام من أناس غالبيتهم يدينون بالدين الإسلامي ولا يعملون ولا يتعاملون به؟ الله قادر على كل شيء سبحانولكنه يقول جل جلاله: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (105) سورة التوبة.
ومهما كان التفسير لهذه الآية والرؤية للأعمال من الله ورسوله والمؤمنين، فإن العمل والاستعداد هو عنصر أساسي للرد والردع. أين نحن من العمل وحسن التعامل؟
لننظر إلى تطبيق عملي عن التعامل من قبل مسلمين بالانتساب وليس التعامل من خلال ما يظهر من قولهم. يعيشون ويسكنون في ديار دول مسيحية ويوفرون لهم خدمات شتى من ضمنها ممارسة العبادات. يرفعون أصواتهم ويقولون إنهم يودون تطبيق الشريعة الإسلامية في بلد علماني يسمح لممارسة كل العبادات. أي شريعة أسلامية يطبق؟ إنها شريعة مشوهة كونها بطريقة من يودون هدم الإسلام بقصد أو بدون قصد ولا يستبعد أن يكونوا مندسين مستأجرين. أناس لا يعرف بعضهم عن الدين الإسلامي إلا اسمه. أناس قد لا يعرفون عن لدين الإسلامي إلا القشور. أناس علموا الإسلام بطريقة خاطئة. أناس علموا أن عليهم بقتل كل من هو غير مسلم أو على أقل الأحوال عدم احترام أي إنسان غير مسلم. أناس علموا أن غير المسلم عدو لهم. أناس علموا أن الموت أفضل من الحياة في حال كان الموت ضد من هو غير مسلم بشكل عام. أناس علموا أن المرأة يجب أن تبقى بالبيت دائما وأن صوتها عورة وأن وجهها عورة حتى ولو اختلف علماء المسلمين في ذلك. أناس يرون أن المرأة عليها أن تسمع وتطيع دون نقاش للزوج ولا لغيره رغم ما منحها الإسلام من حقوق. أناس علموا بأن الانتحار شهادة. أناس علموا عدم إطاعة والديهم وعدم إطاعة المتفقهين في الدين وعدم إطاعة الحاكم في أمور الجهاد. أناس لا يهمهم بلدانهم ولا أمنها الوطني في وقت يتربص أعداء الإسلام وتستغل الأخطاء الفردية ليعمموها ويقولون إن هذا سلوك وممارسة إسلامية وسلوك إسلامي ويحشدون الحشود ضد الإسلام. أناس ضللوا ووعدوا بحور عين بمجرد الموت في سبيل أفكار أغلبها بعيد عن الإسلام.
الساسة في الغرب قد يعلمون وقد لا يعلمون أن هذا غير صحيح. وقد يستغل الحاقدون والطامعون ومن يرغب التسيد والسيطرة هذه الحماقات ممن ينتسبون إلى الإسلام في تجييش الحقد وتجييش ردود الأفعال وتجييش الجيوش كما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر. وجد من يبرر ويحيي بن لادن وأتباعه، وجد من يقول غزوة نيو يورك يقارنها بغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم. حاشا وكلا أن نساوي حماقات المتطرفين بحكمة رسول الله في غزواته.
وجد من يصفق لهؤلاء وأولئك الذين اغتالوا أنفسا بريئة من هم أتباع للإسلام. لم يقدروا العواقب. ماذا أكسبتنا هجمات 11 سبتمبر؟ ماذا أكسب تدمير برجي التجارة العالمية وقتل آلاف ؟ ماذا أكسب تدمير سكن أناس أبرياء في الرياض والخبر والدمام والمدينة وجدة ومكة ؟ ماذا أكسب تدمير بل وقتل أبرياء في العراق وباكستان والسعودية وكينا وتنزانيا ؟ أبرياء أزهقت أرواحهم سواء كان الانتحاريون أم ممن نحروا بفعل هِؤلاء المنتحرين. الإسلام نقي طاهر منزه وبراء من كل هذا. لكن فتاوى بعض المتفيقهين والمحرضين دفعت بأناس في ريعان الصبا إلى محرقة دول اشتعلت فيها الفتن. شباب لا خبرة لهم ولا دراية بأرض المعارك ولا بكيفية القتال. دفع بهم دون أن تكون تلك الدول بحاجة لهم. يرتد البعض منهم على أهله بعد أن تدرب ليستخدم العنف ضد وطنه بعد أن غسل دماغه بأفكار ظلامية.
مقدمة طالت دفعني إليها وإلى كتابة هذا المقال مقال أرسله لي الصديق العزيز الدكتور عبدالله المدني الكاتب الغني عن التعريف.
المقال يشير إلى لقاء صحفي لجماعة أمة محمد التي قدمت نفسها في النرويج. الجماعة يقودها صومالي عمره (24) ومعه جزائري وألباني أحدهم أربعيني والآخر عشريني. دار الحوار لهذه الجماعة التي تعتبر الإسلام هو الحل الوحيد لكل مشاكل العالم. من ضمن مبادئهم مناهضة الديموقراطية والعلمانية يدعون إلى قطع أيدي السارق من الغجر الذين يقدمون من رومانيا وغيرها إلى النرويج ويسرقون. ويتساءلون لما لا تقطع أيديهم حتى يرتدعوا؟ ماذا نتوقع ردة فعل مجتمع أفراده تقشعر أبدانهم عندما يسمعون لغة خطاب بهذا الشكل؟ هل سيصفقون لهذه النظرة هل سينضمون إليها ويباركونها؟ إنها شعوب لا تقبل بعقوبة الإعدام فكيف تقبل ببتر جزء من جسد إنسان حي وهذا العضو غير مريض. يقال هذا في مجتمع إسلامي يطبقه البعض وقد لا يطبقه البعض الآخر. وإذا طبق فهو بشروط ليس من السهل توفرها وهذا دلالة على سماحة الإسلام وانتفاء هدف العقوبة لذاتها. أما أن يقال علناً وفي مؤتمر صحفي في دولة لا يوجد بها من المسلمين إلا نسبة ضئيلة فهذا جلب للكره والعداوة والحقد ضد الإسلام والمسلمين.
ماذا تتوقعون أن تكون ردود أفعال الناس في بلد ديمقراطي غربي لا يعرف الكثير منهم عن الإسلام شيئاً؟ شباب يتحدثون عن شيء بعيد عن الإسلام. يغالون يتطرفون ويوغرون صدور من يتحدثون إليهم على المسلمين. يقولون ما يؤمنون به جهراً. ديمقراطية النرويج تستوعبهم ولكن فكر الناس يلفظهم ويحتقر دينهم. عندما يسمع غير المسلمين الجهلة بالإسلام والجهلة بسماحته وبقيمه وبمبادئه من هؤلاء وغيرهم في مؤتمر صحفي، فإنهم قد يفرحون بأي كارثة لأي مسلم ولسان حالهم يقول ما الفائدة من أناس ترفض الديمقراطية. ما الفائدة في دين لا يقبل بالعلمانية؟ هم يقولون ذلك لأنهم في مجتمع تشبّع ويتشبّث بالعلمانية وهي من أسس الحياة الاجتماعية والديموقراطية لديهم.
أين المراكز الإسلامية المعتدلة في النرويج وغيرها؟ لماذا لا تخرج للملأ وتعقد مؤتمراً صحفياً بل مؤتمرات ليردوا على هؤلاء وغيرهم؟ لماذا لا يتحدث علماء المسلمين المعتدلين لوسائل الإعلام؟ ولماذا لا تظهر المؤسسات الدينية في الدول الإسلامية وتتبرأ منهم ومن أفكارهم وأفكار من هم على شاكلتهم؟
النرويجيون لا يعرفون عن الإسلام شيئاً وان عرفوا فهو قليل وإذا أتاهم مثل هؤلاء في عقر دارهم فسيظنون أن هذا هو الإسلام، حيث لا أمامهم إلا هؤلاء. هناك من يهدم مبادئ الإسلام وسماحته وقيمه من أناس ينتمون إليه. ربما درسهم أناس خيرون متفقهون إلا أن العديد منهم غالوا غلواً خطيراً وكم من تلميذ بز أستاذه ولكن البز هنا ليس في العلم ولكن في النكوص على العلم واستبداله بغير علم. تشددوا في أفكارهم وفي فتاواهم وفي قناعاتهم وفي طرق الدعوة إلى الإسلام. سهل على مثل هؤلاء التكفير. سهل على مثل هؤلاء القتل. سهل على مثل هؤلاء ارتكاب الحماقات. أمة كاملة تجني حصاد ما نطقت به ألسنة مثل هؤلاء من ترهات وما نفخت به أفواههم من تشويهات وما اقترفته أيديهم من انتحارات. إن الغرب يستمع إلى جهلة المسلمين ويستقوي بفتاواهم ضد أمتهم ودينهم. ولا شك أن الشرق سيتبع ذلك. إنه الحصاد المر لما يفعله الغلاة ويستغل ما يفعلونه الطغاة .. والله من وراء القصد.
Dr.abdullahalzahrani@yahoo.com