نحن أمام حقيقة القرن الجديد، من يعتقد أو يتصور أن الحكومة -أي حكومة- ستمنح اتصالاته ومعلوماته خصوصية وحماية عليه إعادة تقييم قواه العقلية!
قبل اختراع الاتصالات والتقنية، كانت الدول لديها أفراد للتجسس ونقل الأخبار، والاستخبار، حتى شيخ العشيرة أو عمدة الحارة ومدير المدرسة أو الدائرة، يلجأ إلى العملاء السريين والمتطوعين لنقل الأخبار وأشباهها.
في دوائر أكبر ومع نمو المجتمعات وتعاظمها وتوسع مستوياتها وتطور تقنياتها وأدوات اتصالاتها، تتحول الحكومات من “المباحث العامة” إلى “المباحث الشخصية” عبر أدوات التقنية وخياراتها الأكثر التصاقاً ودقة ومباشرة.
نشرت واشنطن بوست وقبلها الغارديان تقارير تقول: إن الحكومة الأمريكية تجمع وترصد معلومات عن الأشخاص عبر أضخم مزودي خدمات الهواتف والإنترنت. وإضافة إلى برنامج يمكن الحكومة من النفاذ باستمرار وجمع المعلومات عن أي شخص تعتقد بقيمته، وبعد تعديلات على قانون المراقبة الأمريكية، تم إنشاء مشروع بريزم عام 2007م لتوفير مراقبة متعمقة حول الاتصالات المباشرة والمعلومات المخزنة حول الأجانب في الخارج، ويشمل القانون استهداف كل العملاء الذين يستخدمون تلك الشركات الذين يعيشون خارج الولايات المتحدة الأمريكية أو الأمريكيين الذين يتصلون بأشخاص خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
قوقل علقت في بيان لها: نهتم بشأن أمن بيانات مستخدمين، غير أننا نقوم بإطاعة الأوامر القانونية وطلبات الحكومة!
ساهم في تسليط الضوء شاب أمريكي استخباري جمع الأسرار من عمله السابق وهرب لهونغ كونغ الخاضعة للصين، على أمل أنه في مأمن، بعد رعشة ضمير ساذجة هزت الإعلام لبعض الوقت، وأصبحت قصة مهمة للمتابعة.
لكن هل هي بالفعل جديدة أيها الطيبون، هل الحكومات طيبة لدرجة أن تتجاهل هذا الفضاء المليء بالاتصالات وتبادل المعلومات؟، هل خصوصيتك تعني أحدا غيرك؟، هل ثقة الحكومة- أي حكومة بشعبها مطلقة؟!
تلك الحقيقة التي علينا أن نراجع قوانا العقلية المتواضعة والمتواضعة جداً إن صدقناها.
لكن هل يوجد حد للتنصت الحكومي على أصواتنا ونصوصنا؟
شخصياً أعتقد لا حد لذلك أبداً وباسم القانون أيضاً.
ووكالة الأمن القومي الأمريكية قادرة على الحصول على الاتصالات المخزنة أو الجمع الحي للمواد الخام على مدى السنوات الست الماضية من بداية برنامج مشروع بريزم - دون علم المستخدم الذي يعتقد أنه يتمتع بخصوصية.
وتصف وكالة الأمن القومي البرنامج لكونه أكثر برامج التجسس تفرداً وقيمة وفائدة لكونه يقدم الخدمات لدوائر التجسس حول العالم!
إن الاعتقاد بأن اتصالاتنا وتحركاتنا اليومية حتى وإن كانت شرعية ليست من شأن الحكومة هو أمر أقرب للخرافة.
كاميرات المراقبة تنشر وتتبعنا لكل مكان تقريباً، وكاميرات الفضاء الرهيبة عبر الأقمار الصناعية تزداد دقة لدرجة قد لا تتخيلها، وبطاقاتنا البنكية تفضح إلى أين نذهب وماذا نصرف وأين تناولت كوب قهوتك الأخير، متصفحتنا وهواتفنا الذكية تزداد ذكاء لتقدم المزيد من المعلومات عنا، حتى أبسطها، أغنيتنا المفضلة، ونوع مقاطع الفيديوهات التي نفضل مشاهدتها وحتى رسائل العشق والخيانة والغرام، بل ونوعية النكات المفضلة ومزاجنا العام، التقدم التقني مذهل والتاريخ يؤكد أن لا عودة إلى الخلف، فالكشف سيستمر والخصوصية تفنى!
وعلينا دائما أن نتذكر أن الخصوصية أصبحت طرفة سخيفة! وستدخل الحكومات إلى أدق تفاصيلك، وستقول لك بوضوح إنها تراقب.
الحل: “إذا كنت مواطنا ناجحا صالحا وتعمل وترعى عائلتك لن يهمك شيء!” هكذا قال وزير الخارجية البريطاني وليم هيق في برنامج تلفزيوني.