ردود الأفعال الإيجابية التي عبّر عنها مجموعة من علماء المملكة الفضلاء إزاء التصريح الأخير للشيخ العلامة يوسف القرضاوي حول حزب (عدو الله)، ورجوعه إلى موقف علماء المملكة تجاه هذا الحزب الشيطاني واعترافه بأنهم أنضج منه وأعرف بحقيقته، قد يراها البعض أنها من

قبيل المجاملة، أو الثناء المتبادل، أو النرجسية العلمية لأن القرضاوي امتدحهم في شأن عام، وهذا تصور سطحي لطبيعة اللغة بين العلماء والمشايخ، ونظرة قاصرة عن الرؤية البعيدة التي ينظر بها علماء المملكة خاصة، وعلماء المسلمين بشكل عام بالنسبة للحركات الدينية أو الأحزاب السياسية، التي تتقاطع أعمالها وممارساتها مع قضايا الأمة المصيرية.

إنها لغة الكبار بين كبار العلماء، لغة يعلو فيها الحق، ويُسدد فيها الرأي، ويُصحح فيها المسار، لغة تسمو فيها مصالح الأمة على المواقف الشخصية والاعتبارات السياسية، لغة تستعيد تاريخ السلف لعلماء الخلف وكيف يشد بعضهم بعضاً لتجتمع كلمتهم ويكونوا على صراط مستقيم واحد في الملمات والخطوب، لغة تسهم في تعزيز الصف الإسلامي، وتوحيد الرأي الشرعي، لغة راسخة المبادئ محددة الأهداف تؤكد الوحدة الإسلامية، التي تسعى لها كثير من الدول المسلمة وفي مقدمتها المملكة في مقابل دول ذات مشاريع قومية تصطبغ بنزعة طائفية كإيران التي تعبث في أمن المنطقة العربية، كما أنها لغة جلية العبارات وافرة الدلالة تفضح المواقف الطائفية، التي تمارسها بعض الأحزاب والتنظيمات أمثال حزب (عدو الله)، أو تلك التي تبرر العنف في سبيل التغيير المنشود والإصلاح المزعوم، وهي في الواقع تجر الأمة إلى مستنقع الفتن الداخلية.

إن تصريح الشيخ القرضاوي وموقف علماء المملكة في هذا الوقت الحرج لمسيرة الأمة يبُشر بتأسيس اتحاد قوي لعلماء المسلمين للوقوف أمام أهل الفتن الطائفية والحسابات السياسية ومرتزقة المشاريع العنصرية، سواءً الصهيونية البغيضة أو الصفوية المقيتة، خاصةً أن علماء المملكة والقرضاوي وغيره من علماء ودعاة مصر يتمتعون بجماهيرية كبيرة في عالمنا الإسلامي على المستويين الشعبي والرسمي، ما يجعل كلمتهم مرجعاً للصادقين من المجاهدين والعاملين، وموقفهم منارة للحائرين بين دروب السياسة.

فالأمة لم تضيع رايتها ويتمزق رأيها إلا بسبب التباين في مواقف علماء الأمة لدرجة التضاد، وهذا ما ألمح إليه العلامة القرضاوي عندما قال: (تبين لي أني خدعت وأني أقل نضجاً من علماء المملكة، الذين كانوا يدركون حقيقة هذا الحزب)، فمعلوم أن يوسف القرضاوي كان من المدافعين عن حزب الله والمؤيدين له أيام ما يسمى حربه مع إسرائيل سواءً عام 2000م أو (حرب تموز) 2006م، بينما كان موقف علماء المملكة مناقضاً تماماً، فقد وقفوا ضد توجهات وأفكار ما يسمى (حزب الله)، محذرين من التقارب معه، وعدم الانسياق وراء دعاياته وشعاراته المضللة. كما أن استشهاد القرضاوي بعلماء المملكة دون غيرهم له دلالة عميقة، فهو يعرف مكانتهم العلمية العالية وفضلهم الكبير على صعيد الأمة، وثقة المسلمين بهم، وارتباط ذلك بمكانة المملكة في العالم الإسلامي ودورها القيادي في قضاياه المعاصرة، فالحمد لله أن جمع الله كلمة علماء الأمة لمواجهة أحزاب الشيطان ودول الفتن.