تأخرت دول الخليج كثيراً في ملاحقة أنشطة؛ حزب الله وعملاء إيران؛ الاقتصادية، ما سمح لها بالتوسع والنمو والتغلغل، والاندماج في الاقتصادات الخليجية، حتى بات أمر كشفها غاية في الصعوبة. التردد الخليجي؛ وربما الفرقة؛ وعدم الرغبة في المواجهة لأسباب داخلية؛ وخشية اتهام حكوماتها بالطائفية؛ أسهموا في تعاظم تلك الأنشطة وانتشارها أفقياً. تجفيف منابع تمويل الحزب كان كفيلا بالحد من تحركاته؛ وتقليص حجمه. لم تتنبه دول الخليج لأهمية الجانب الاقتصادي في دعم العمليات الإرهابية؛ بخلاف الدول الغربية التي نجحت في ضبط علاقات الحزب المالية؛ وتجريمها بمجرد شعورها بالخطر. برغم تهاون الموقف الغربي تجاه حزب الله في المنطقة؛ ومكافأته بعدم الإدراج ضمن قائمة الإرهاب الدولي؛ تحقيقا لأهداف إستراتيجية؛ لم تتراخ السلطات الأميركية في مواجهته وتقليم أظافر عملاء الحزب بمجرد أن حاولوا النيل من مصالحها في الداخل، وتجاوز الخطوط الموضوعة لهم سلفا. منذ عدة سنوات ووزارتي العدل؛ والخزانة الأميركيتين؛ ماضيتان في فرض عقوبات مالية صارمة على الحزب وبعض عناصره؛ ومنها تجميد الحسابات المصرفية؛ وإدراج أسماء بعض عناصره على قائمة الإرهاب؛ وملاحقة أنشطتهم التجارية؛ إضافة إلى تصفية بعض البنوك؛ ومؤسسات الصرافة المتورطة بغسل أموال الحزب المتأتية من تجارة المخدرات. الحرب الأميركية على حزب الله ربما كانت أكثر قوة وصرامة في جانبي التعاملات المالية؛ وتجارة المخدرات لأسباب مرتبطة بالأمن القومي الأميركي؛ لا الأمن العالمي؛ وهذا ما يفسر لنا تضارب المواقف الأميركية تجاهه. وزارة الخزانة الأميركية عادت الأسبوع الماضي لفرض عقوبات على أربعة مواطنين لبنانيين «تتهمهم بجمع أموال وتجنيد عناصر لحزب الله اللبناني في غرب إفريقيا»؛ أوضحت الوزارة أن المتهمين قاموا بدور «السفراء» لحزب الله في سيراليون والسنغال وساحل العاج وجامبيا؛ وربطت بينهم وبين تجارة المخدرات. مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية؛ أكد أن أهمية تلك الأعمال؛ بالنسبة لحزب الله»؛ تتزايد مع تراجع تمويله من الراعي الرئيسي له، أي إيران بسبب العقوبات الدولية»؛ وهو ما أشرت له غير مرة في مقالات سابقة. يبدو أن خطر هؤلاء كان أعظم لدى الحكومة الأميركية من ميليشيا حزب الله الإرهابية التكفيرية التي بدأت في إشعال المنطقة؛ وغزو سوريا وقتل الأطفال والنساء؛ وإشعال فتنعظيمة ربما أحرقت الأخضر واليابس. على النقيض من الإجراءات الأميركية الصارمة؛ كانت الإجراءات الخليجية متساهلة مع أنشطة الحزب المالية المشبوهة؛ ما أدى إلى تعاظم دور عناصره؛ وتوسعهم في تلقي الأموال القذرة؛ وغسلها؛ وإدارتها؛ وإعادة استثمارها في جميع الدول الخليجية. أمين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني، أكد «إن هناك إجراءات ستتخذ ضد المنتسبين لحركة حزب الله اللبناني، في دول الخليج، في جوانب تتعلق بالنواحي المالية والتجارية» لم يعد هناك متسع من الوقت للانتظار قبل مواجهة أنشطة الحزب المالية في الداخل. أجزم بأن ضبط القطاعات المصرفية أول طرق المواجهة وأكثرها فتكا بالحزب؛ تجميد الحسابات المشبوهة؛ وفحص حسابات الوكلاء؛ والوسطاء؛ وربطها بملاءة أصحابها؛ وتمحيص الحوالات الدولية؛ من أهم الإجراءات الواجب تطبيقها فوراً؛ وهي إجراءات ستقدم للجهات الرقابية والأمنية كنزاً من المعلومات المهمة للقضاء على أنشطة الحزب وفضح عملائه. البدء في فرز الأنشطة التجارية؛ والتركيز على القطاع العقاري؛ الأكثر تشبعاً بأموال الحزب القذرة؛ يجب أن يكون من الإجراءات الرئيسة المطبقة في دول الخليج؛ أما الشركات التجارية؛ ومؤسسات الصرافة فيجب التدقيق فيها من جانبين؛ جانب الأنشطة التجارية والملكية؛ وجانب القوى العاملة المُستَغَل لتصدير عملائه؛ وبعض عناصره؛ وجماعات من الموالين له في الدول الخاضعة للنفوذ الإيراني ومنها لبنان؛ سوريا؛ أفغانستان وباكستان؛ تحت غطاء العمالة؛ مشكلين طابوراً خامساً يمكن استغلاله تجسسياً؛ تخريبياً؛ وعسكريا. كل ما أتمناه ألا تتحرج دول الخليج في التعامل مع عمالة تلك الدول التي لم تسهم في حماية أمن الخليج؛ ولم تسهم في قمع حزب الله الذي نما في أحضانها؛ فهي المسؤولة عن الأضرار التي قد تلحق بعمالتها. تحقيق أمن الخليج مقدم على العلاقات الدبلوماسية المتغيرة. مؤسسات الصرافة؛ وبعض الوسطاء؛ في الكويت ودبي يلعبون دوراً مهما في إنهاء عمليات التقاص والتحويل ودفع تكلفة البضائع المرتبطة بإيران وهي وسيلة من وسائل الإلتفاف على قرار إخراج إيران من نظام التحويلات المالية الدولي سويفت (SWIFT)، في الوقت الذي يعمل فيه وكلاء إيران من الموالين في بعض دول الخليج على فتح الاعتمادات المستندية ودفع تكاليف جزء لا يستهان به من واردات إيران؛ وتمويل الخلايا النائمة.. الدكتور عبدالعزيز العويشق،لأمين العام المساعد لمجلس التعاون؛ أكد على أن «العمل لمواجهة هذه المنظمات أكثر فعالية حينما يتم بشكل جماعي». دول الخليج تنقصها جماعية المواجهة؛ والموقف الموحد على أرض الواقع. كل ما تتعرض له دول الخليج سببه (فُرقة العمل الجماعي). خطر حزب الله التكفيري الإرهابي؛ وإيران الصفوية بات مكشوفا بعد أن كشف زعماؤهم عن نواياهم ومخططاتهم على رؤوس الأشهاد؛ وأي تردد أو تهاون في مواجهته يعني الدمار الشامل للجميع. أن تأتي متأخراً، خير من ألا تصل أبداً؛ و مواجهة حزب الله، وأعوانه وتتبع أنشطتهم الاقتصادية في الخليج؛ وإن جاءت متأخرة؛ فنتائجها ستكون حاسمة بإذن الله؛ شريطة المواجهة الجماعية والالتزام التام بالخطط الأمنية؛ والمراجعة الاقتصادية الشاملة والحازمة والفًعَّالة.
f.albuainain@hotmail.com