مرّ من أمامي وهو يدندن كلمات أغنية هابطة الذّوق والأخلاق. أعرف رزانته وعلمه ومكانته. لحقت به وأبديت استغرابي أن يدندن أغنية يستحي الشاب العاقل أن يسمعها فضلاً أن يغنّيها!
لم يتفاجأ، بل على العكس أوضح أنه لا يسمع الأغاني عادة ، ولا يملك أشرطة أو أقراصاً مشغلة للأغاني في سيارته، لكنه يستمع للإذاعة أثناء القيادة ويصادف أن هذه الأغنية يعاد بثها بشكل متكرر في أغلب أوقات اليوم ، وهو ما جعلها تثبت في ذاكرته ووجدانه دون أن يعي ذلك!.. ثم ختم كلامه بأنه: إذا استثنينا الكلام الساقط فإنّ إيقاع الأغنية حيوي ومثير!
غادرني بابتسامة وعلامات التعجُّب تحوم من حولي. ثم تفكّرت في الموضوع فوجدت أن نتيجته طبيعية. تخيّل ما يبث على مدار الساعة سواء في التلفاز أو إذاعات الـ (أف أم) والتسابق المحموم في صناعة الرداءة، كل ذلك يجعل الفرد يتغيّر باستمرار حتى يصل إلى درجة القبول بالرداءة واعتبارها مناسبة لذوقه وتفكيره!
ليس الحديث هنا خاصاً بالأغاني، ولكنه يشمل كل مادة إعلامية تبث في أي وسيلة، قد تكون في برنامج رياضي يروّج لمفردات سوقية ويثبّتها في أذهان الناشئة، أو تغريدة تافهة تؤسّس لمصطلح يستخدم لوصف موقف مثل الكلمة الشائعة (في نص الجبهة)! أو قد تكون في مسلسل خليجي يقدم شخصيات غير سوية في قالب ساخر ليتم تقبُّلها بأنها شخصية مرحة وظريفة مثل شخصية (المحشش)!
كل المواد المبثوثة تؤثر على الفرد سواء كان واعياً بذلك أم لا، وليس فقط تؤثر على ذوقه بل تتحكم في ذائقته وسلوكه – في تحديد ما هو مقبول من الألفاظ والأفعال – حتى وإن كان هذا التحديد يخرج عن إطار ما هو متعارف عليه اجتماعياً!
صنّاع التسويق والمال في وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعية، واعون بدورهم في تكوين ذائقة جديدة للفرد، تهدف في المقام الأول إلى الربح المادي بغضّ النظر عن ما هو تأثير هذه الصناعة في إعادة بناء عقل ووجدان الفرد!
ولذا فإنّ موسم رمضان يُعَد موسماً تجارياً للقنوات الفضائية، ويكون التسابق في تقديم ما هو مغرٍ ومثير سواء كانت مسلسلات أو برامج ترفيه أو مسابقات!
وهذا التسابق ليس له حدود، بل إنّ القناة التي تكسر مزيداً من القيود، تحقق دخلاً أكثر من غيرها ، وهو ما يجعل هذا التسابق لا يلتزم بأبسط المعايير الإعلامية في الآداب العامة!
والوسيلة الفعّالة في جعل الفرد يتقبّل ما لا يمكن أن يتقبّله - فيما لو تم سؤاله مسبقاً – هو في الخلطة السحرية (التكرار)!
إنّ إعادة بث الصورة أو الكلمة مئات المرات حتى لو كانت بشعة، من شأنه أن يتعوّد عليها المرء ثم يتقبّلها، والأسوأ في النهاية أن تكون معبّرة عن ذوقه!
لم يَعُد الحديث عن ذوق شخصي خاص. الآن يجري صناعة الذوق العام وفق متطلّبات السوق، وهو ذوق متغيّر حسب رؤية صنّاع التسويق في الإعلام!
Tmadi777@hotmail.comalmadi_turki@