قبل سنة وأثناء خروجي من منزلي في صباح أحد الأيام شاهدت ثلاثة عمال يقفون إلى جوار حاوية نفايات وزميلهم الرابع داخل الحاوية يقوم بعملية نبش وتفتيش لما تحويه ثم يسلم ما يعثر عليه لزملائه في الخارج، وهم بدورهم يقومون بترتيب ما يحصلون عليه ثم يضعونه في كراتين وأكياس.
يبدو من سحناتهم أنهم من شبه القارة الهندية. استوقفني المنظر فاقتربت منهم وسألتهم إن كانوا من عمال النظافة. نفوا هذا الزعم على الفور. عندها سألتهم ولماذا أنتم هنا، وماذا تفعلون؟ دققت فيما جمعوه، وجدته خليطاً من علب مشروبات غازية وقطع حديدية، وورق وكراتين وقطع جلدية. قبل أن أفكر في مصير هذه المخلفات بادرني أحدهم وبلغة عربية مكسرة “ هذا فيه بيع مدير، هذا فيه شركة يشتري مال ورق، مال حديد، مال جلد، كل يوم فيه يجمع بعدين يبيع “. سألته إن كان هذا عملهم الوحيد. أجاب بسرعة “ لا هذا فيه نفر شغل استراحة، فيه نفر ثاني غسيل سيارات ,فيه نفر ثالث بيع مساويك، أنا فيه شغل تنظيف مسجد “ ,تركتهم ومضيت في طريقي وأنا افكر في وضع هذه العمالة في بلادنا، وكيف أنها لم تبق ولم تذر. استغلت كل شيء حتى النفايات، لأنها تركت مفلوتة. تصوروا أن العامل كان يجيبني بكل أريحية ودون تحفظ لأنه يعرف بأن لا رقيب ولا حسيب.
استرجعت هذه الحادثة مع حوادث مشابهة مثل سرقة لوحات الطرق وأنابيب المياه وأعمدة الكهرباء وأنا أقرأ وأشاهد بالصور ما عرضته بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل عن بعض ما تفعله العمالة السائبة بالقرب من المساجد إذ يضعون صناديق كبيرة بجوار المسجد ويثبتون على إحدى جهات الصندوق ملصقات تحمل أسماء جمعيات خيرية معروفة، ويكتبون في الجهات الأخرى عبارات، مثل هنا توضع الملابس، وهنا توضع الصحف والمجلات، ثم يغلقون الصناديق ويأتون في أوقات متأخرة من الليل ويفرغون ما فيها ويتصرفون فيها وفي غفلة من الناس ! وهنا تسأل أين إمام المسجد وأين المؤذن وهم على ما يبدو نائمون في العسل، والعمالة المجرمة تسرق صدقات الناس وزكواتهم في غياب تام من وزارة الشؤون الإسلامية، والناس بعاطفتهم الدينية الجياشة يبادرون لعمل الخير ولا يدرون أن ما يضعونه يذهب في طريق آخر غير الطريق الصحيح، وقد لاحظت أثناء مروري من أمام أكثر من مسجد ودخولي للصلاة في بعض المساجد مثل هذه الصناديق، وكنت أظن أنها قد وضعت بعد الترخيص من الوزارة، أو على الأقل من إمام المسجد أوحتى المؤذن. صحيح أن هناك الكثير من المساجد التي تحظى بأئمة وفاعلي خير لا يسمحون بمثل هذه التجاوزات ويتابعون كل صغيرة وكبيرة، لكن العمالة وبخبراتها الطويلة في السرقات تعرف أين تضع شباكها، وذلك عند المساجد البعيدة عن الرقابة، أو التي تقع في الأطراف، أو المساجد صغيرة الحجم.
سؤالي هل ستضع وزارة الشؤون الاسلامية بعد هذه الحوادث تنظيما يحمي الناس ويضمن وصول صدقاتهم لمستحقيها؟.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15