في الوقت الذي تشهد فيه تركيا نهضة حقيقية على كافة الأصعدة، وطفرة اقتصادية كبرى، جعل منها نواة إقليمية في المنطقة لا يستهان بها، بل ووازنت في نهضتها تلك اتجاه القبلة بين أوروبا، والعرب، والمسلمين، فجعل منها قصة نجاح من الناحيتين -السياسية والاقتصادية-
إلا أنه -في الأيام القليلة الماضية- كان لافتاً للعيان، توسع سريع للمظاهرات التي اندلعت بها، وزيادة حجمها، والتي انتقلت من إسطنبول إلى أنقرة، وأزمير، وغيرها من المدن التركية.
أخبار المظاهرات، كانت محور حديث مختلف وسائل الإعلام على مستوى العالم. وفي تقديري، فإن الأحداث تقف وراءها خلفيات سياسية، وقد تكون بداية لحركة عصيان مدني، باعتبار أن هناك من يحاول استنساخ ثورات الربيع العربي؛ من أجل الإطاحة بحكومة أردوغان، والذي يعتبر من أكثر الشخصيات السياسية تأثيراً في التاريخ التركي، واستغلال طبيعة التركيبة الداخلية للشعب التركي، والمرتبطة بإثنيات، وطوائف متعددة؛ والتهديد بلعبة التوازنات العرقية الداخلية للبلد. متناسين أن الحكومة التركية انتخبت بطريقة ديمقراطية، منهية حقبة من الحكم العسكري التي حكمت البلاد، -وبالتالي- فإن طبيعة المشكلة، عبارة عن صراع متجدد بين طرفي المعادلة، والذي سيكون مفتوحاً على أكثر من باب.
من يتزعم المظاهرات، هو «حزب الشعب الجمهوري التركي» -الحليف لدولة سوريا-، -إضافة- إلى «القوى اليسارية، والشيوعية»، الداعمين لصمود النظام السوري. ولا أستبعد أن تعكس تلك الاحتجاجات حجم استياء تلك الأحزاب، وتعبيرها عن رفضها لسياسة نهج حكومة أردوغان حيال الأزمة في سوريا، والذي كان لها أثر فاعل على مركز الأحداث إقليميا. وما يحكيه الواقع، فإن تلك الأحزاب ستستخدم آلة الشعب في تحريك الشارع؛ لتحقيق مطالبهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن خطة تطوير ميدان «تقسيم» في وسط إسطنبول، رأى فيه أنصار العلمانية في تركيا، تهديداً صريحاً، ومباشر لهم.
لا أعلم أين ستتجه الأمور في تركيا؟.. فقد تكمن النار تحت الرماد؛ لكن الأمر الخطير الذي لا يمكن تغافله، هو الخشية من تحويل تلك المظاهرات إلى منحى آخر؛ نتيجة المبالغة في ردة فعلها. -ولذا- فإن على الحكومة أن تسد الثغرات، وتدرس ما يجري بعناية؛ لفهم أبعاد الموضوع، وأسباب المظاهرات الحقيقية، والتعامل مع تلك الأحزاب وفق ما تقتضيه قواعد الديمقراطية؛ من أجل استخلاص العبر، وتجاوز المصاعب، والتحديات، كون الإدارة السياسية، لا تتطلب فهماً للواقع -فحسب-، بل تفهماً، ومعالجة له، دون الاعتماد على الأغلبية العددية، التي تؤدي إلى نتائج عكسية في غالب الأحيان، كما أن باستطاعة الجيش التركي تحديد بوصلة الأزمة، انطلاقاً من حياديته في إطفاء الحركة الاحتجاجية.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية