قاعدة معروفة بأن الادخار هو أساس الاستثمار وفي الاقتصاديات الكبرى هناك اهتمامٌ كبيرٌ جدًا بتشجيع الادخار والاستثمار وتنمية الثروات.
ففي آخر تقرير عن ألمانيا بلغت مدخرات الشعب الألماني خمسة تريليونات يورو، فيما قدر البنك الفيدرالي الأمريكي ثروات الأمريكان بسبعين تريليون دولار أمريكي.
هذه الأرقام تدل على خطط إستراتيجيَّة محكمة التنفيذ أدَّت إلى هذه النتائج التي تبرزها الأرقام الضَّخمة وهنا تكمن جوهرية الإدارة للخطط الاقتصاديَّة برفع الإنتاج والدخل وتوزيع الثَّرْوة من خلال فتح كل المجالات المساهمة بذلك وبالمقارنة مع الخطط الاقتصاديَّة المحليَّة، فحقيقة لا يوجد احصاءات تُوضِّح حجم المدخرات والثروات بالمجتمع السعودي، وقد نكون في بداية الطَّريق لعمل منظومة إحصائيَّة دقيقة تحتاج إلى كم هائل من المعلومات يسهم بها الفرد نفسه عندما يعطي معلوماته الداعمة لعمل الاحصاء بدقة وليس بالاعتماد على الجهة المعنية بالاحصاء فقط.
لكن الإجابة على واقع اقتصاد الفرد محليًّا تأتي من خلال النَّظر بِكلِّ العوامل المؤثِّرة فيه، فمع ارتفاع معدلات التضخَّم: هل أصبح الادخار سهلاً للفرد؟ وهل قنوات الاستثمار المتاحة كافية أو أعطت الثِّقة الكاملة لضخ مدخراته؟ فمن مشكلة المساهمات العقارية المُتعثِّرة منذ عقدين وأكثر إلى الاكتتابات بشركات أدرجت بالسُّوق المالي كثير منها كان بأحجام صغيرة كقطاع التأمين مما جعل منها رقعة واسعة للمضاربات بخلاف حداثة عملها كشركات بالسُّوق وما لحق ببعضها من خسائر رأسماليَّة إلى شركات بقطاعات أخرى طرحت بعلاوة إصدار بعضها على وشك إعلان الإفلاس وموقفه عن التداول إلى اضطرار المساهمين لتمويل رؤوس أموال شركات أدرجت وتأكل رأسمالها وطلبت هيكلة له دفع المساهم الثمن مرَّتين بالخسارة وضخ أموال جديدة لكي يعيد الانتعاش لها.
ولا يمكن فصل معدلات البطالة المرتفعة رغم الجهود الكبيرة حاليًا لمعالجتها عن واقع الادخار والاستثمار، فالبطالة تعني خسارة ثروة بشرية نفتقد إنتاجها وبالمحصلة ادخارها المحتمل وأثره بالإنفاق والاستثمار، كما أن انخفاض نسبة تملك السكن تعبّر عن ضعف تنامي ثروة الفرد والمعالجات الحالية قد تأتي بالحل لكن لا بُدَّ من ربطها بخطة تنمية حقيقية فاعلة ومنتجة.
وللوصول لذلك فإنَّ تنامي دور القطاع المالي لا بُدَّ أن يتجه لإدارة مدخرات الفرد وتوجيهه للاستثمار المثمر مما يَتطلَّب تحفيز هذا القطاع بأنظمة ولوائح تيسَّر قيامه بدوره المطلوب ليكون شريكًا للفرد بإدارة مدخراته ومساعدته على تنميتها.
كما أن دعم المنشآت الصَّغيرة لا بُدَّ أن يأخذ دورًا مختلفًا، فمعدل إقراض هذه المنشآت بحسب تقرير صدر عن بلومبيرغ قبل أشهر قليلة لا يتجاوز 2 في المئة من مجمل إقراض البنوك، فيما يصل المتوسِّط بالشرق الأوسط إلى 8 في المئة وهو رقم متواضع قياسًا بالمعدلات العالميَّة التي تبلغ أضعافه بحسب بلومبيرغ، إِذْ تركز المصارف محليًّا على الشركات الكبيرة وتبتعد عن المخاطرة ويَتطلَّب تغيير المعادلة حزمة إجراءات ولوائح وآلية تنفيذ وأذرعة تمويليَّة مُتعدِّدة عميقة الخبرة بدعم المنشآت الصَّغيرة، فالتقارير العالميَّة الصادرة عن المؤسسات الماليَّة الدوليَّة تفيد بأن تأثير المنشآت الصَّغيرة بالناتج العالمي يبلغ 46 في المئة، فيما تشكّل هذه المنشآت 80 في المئة من حجم المنشآت عالميًّا وتثبت هذه الأرقام أهمية المنشآت الصَّغيرة مع ضرورة أن يكون التركيز على دعم المنتج منها وليس التَّقْليدي كالبقالات وغيرها من المشروعات التي تشوّهت كثيرًا بما أفْرَزتْه من تستر بخلاف أنَّها خدمات لا تحقَّق التنمية المطلوبة كوننا دولة مستوردة بامتياز.
إن الفرصة سانحة اليوم أكثر من قبل للانتقال باقتصادنا لمربع الإنتاجيَّة وتنمية الثروات ورفع الدخل والادخار وتوجيه الاستثمار إذا ما أعدنا توزيع الاهتمام نحو مفاصل اقتصاديَّة تستطيع تحويل المجتمع للإنتاجيَّة وتنمية ثروته وتوزيعها بما ينعكس على اقتصاد الفرد وعلى المجتمع بآثار إيجابيَّة عديدة.