عرف الباحث النرويجي (دان أولويس) البلطجة على أنها عندما يتعرض شخص بشكل متكرر وعلى مدار الوقت إلى الأفعال السلبية المؤذية والضارة من جانب واحد أو أكثر من الأشخاص الآخرين بهدف التسلط أو التنمر والإيذاء.
البلطجة في العمل تعد بمثابة حرب منظمة مدروسة لتدمير الموظف غير المرغوب فيه، حيث تعرض مستقبله والوظيفي الذي يحبه وصحته للخطر، وهي لفظية ومعنوية وجسدية؛ وكلها تستخدم أساليب فتاكة لتؤثر على الإنسان وعلى سير العمل، ويمكن القول أنه لم يسلم منها أحد في العمل وأنه لا يخلو مكان عمل منها، والموظف مجبر في النهاية أن يواجه هذه البلطجة لأنه على المدى البعيد قد يخسر نفسه وصحته وسعادته والوظيفة التي يعمل بها.
إن البلطجة في العمل غالباً ما تحدث داخل القواعد المؤسسية للمنظمة، وليست بالضرورة أن تكون غير قانونية، ومع ذلك تكون الأضرار التي تلحق بالموظف المستهدف وللروح المعنوية في بيئة العمل واضحة. وتسمى البلطجة أحياناً باسم المهاجمة، ولا سيما عندما ترتكب من قبل أصحاب النفوذ والسلطة أو مجموعة أفراد (شلة) تجمعهم مصلحة ما في العمل، ويمكن أيضاً أن تعرف في الأوساط السياسية بـ»الاغتيال الوظيفي».
المدير البلطجي هو من يستخدم القوة والعنف ويهاجم الغير ويستقوي عليهم بقصد الإيذاء والتحقير والإذلال والسيطرة، وهو معروف بتصيد الأخطاء باستمرار وإظهارها للجميع -زملاء ورؤساء- من باب التشنيع والتشهير والإساءة للسمعة ومن أجل التحطيم لسهولة السيطرة. ومعروف بمحاولاته تدمير المعنويات وتحطيم الإرادة والشخصية باختلاق الأكاذيب والقصص الملفقة ومحاولة الوقيعة بين الموظف وبين زملائه ورؤسائه في العمل، وهو أيضاً معروف بنظراته الحاقدة وحسده وغله على ضحاياه بشكل دائم، وبمحاولاته تخريب الإنجازات وتفننه في سرقة امتنان وتقدير الآخرين على العمل المميز والمنجز. ولابد أن تعي تماماً أن البلطجي لا يحترم الآخرين من زملاء العمل ولا يتورع عن فعل أي شيء للوصول إلى أهدافه، وإن كانت على حساب الغير، ونحن هنا نتعامل مع شخص لن يختفي من أمامنا، ولذلك يجب ألا نكون هدفاً سهلاً يشجعه على التمادي في تصرفاته البذيئة والمؤذية، وللتعامل مع هذا النوع من المديرين، ننصح بعدم أخذ الموضوع بشكل شخصي، والتعامل معه على أنه جزء أساسي من العمل، وعلى أن هذا المدير البلطجي خصم وعدو يجب التعامل معه بحذر، وعلينا أن نحلل شخصيته ونتعرف على أهدافه والطرق التي يستخدمها للنيل منا ونحاول أن نفسدها عليه، كلما أمكن ذلك، والتوقع والتعاون مع الزملاء الآخرين الذين يتعرضون لهجماته البلطجية أمر مطلوب؛ فالكثرة تغلب الشجاعة أحيانا.. كما أنه من الواجب علينا في مثل هذه الحالة أن نحدد لأنفسنا ولهذا المدير البلطجي حدود التسامح معه، وما نقبله وما لا نقبله منه، دون مبالغة أو تهويل، وأن نوضح له السلوك الذي يضايقنا منه ويثير غضبنا عليه بسرية وبأسلوب مهذب وبنبرة صوت هادئة يفهم منها أننا سنحاسبه؛ أي لابد من المواجهة إن هو استمر في بلطجته، حتى لا يظن أن السكوت خوف أو استسلام أو عجز، والتعامل معه باستهزاء وسخرية مما يفعل، وفضح ممارساته مع حد التعامل معه في أضيق الحدود الممكنة وبأقل قدر من الاتصال أو الاحتكاك. المدير البلطجي هو أخطر نمط من أنماط زملاء العمل على الإطلاق، لأنه يفتعل المشاكل ويطعن من الخلف، ولأنه يميل للعنف ولا يتورع عن فعل أي شيء للتأثير السلبي جداً على حياة الموظف وسير عمله، وفي أحيان كثيرة يلجأ إلى أساليب التضييق والضغط والتخويف وغيرها من الأساليب الداعية للإرغام على ترك الوظيفة والبحث عن غيرها في مكان آخر؛ أي أنه يستخدم كافة طرووسائل وأساليب الإرهاب الوظيفي.
إن التعامل مع المدير البلطجي أمر في حد ذاته مزعج، وقد تكون فكرة التخلص من العلاقات التي تسبب لنا الصداع والتوتر والتعب فكرة رائعة وعلاجاً ناجعاً، ولكن ما العمل إذا كان الشخص المعني فرداً من أفراد الأسرة أو زميلاً من زملاء العمل، أو شخصاً لا نستطيع أن نتخلص منه بسهولة، ونكون مضطرين إلى التعامل معه على الرغم مما يحدثه لنا من إزعاج؟.
صحيح إن التعامل مع الناس المزعجة وخاصة (البلطجية) أمر متعب ومزعج جداً، ولكنه فن يحتاج إلى الهدوء وضبط النفس وتبريد الأعصاب والمحافظة على ابتسامة صادقة وقدر كبير من الصبر والذكاء الاجتماعي، مع تجنب الاحتكاك وتداعيات الاختلافات والخلافات معهم إلى أقل قدر ممكن، وإن لزم الأم، وما نفع لا هدوء ولا ضبط نفس ونفذت كل الوسائل الحميدة، فالحزم والمواجهة وعدم إعطاء فرصة للمزيد من البلطجة قد تكون هي الحل الأمثل واللغة الوحيدة التي يفهمها أمثال هؤلاء البلاطجة.. وعلينا جميعاً أن لا نسمح في مؤسساتنا بوجود «بلطجة إدارية» مهما يكن المصدر، لأن قيم مجتمعنا الإداري وأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا وحتى أنظمتنا لا تسمح بمثل ذلك، لأن من يهن يسهل الهوان عليه.
كفانا الله وإياكم شر البلطجة الإدارية وشر أصحابها أينما كانوا.