|
ضَلَع الدَّين أي ثقله وشدته وهذه الحال تعوذ منها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند البخاري (2873) وذلك لأن الإنسان قد يستدين مالاً لحاجة ثم لا يجد وفاء لدينه لا سيما مع المطالبة، كما تعوذ عليه الصلاة والسلام من المغرم فقال: «اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم»، أخرجه البخاري (832) ومسلم (589) والمغرم هو الدين، ولما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف).
إن الحاجة والضرورة قد تدعو إلى الأخذ بالدين لذلك أذن الشارع الحكيم في الاستدانة لسد الحاجة، وجعل إعطاء الدَّين من قبيل المعروف الذي ينال صاحبه الأجر والثواب، ولكن هذا الضرب من التعامل المالي ربما تلحقه مفاسد مالية أو خلقية أو اجتماعية عندما تغلب الإنسان عاطفته على حزمه وإرادته، لذلك أقامه الإسلام على أسس محكمة وأحاطه بنظم تضمن مصالحه وتنقذ الناس من مفاسده فلا يقدم عليه الإنسان إلا في حالات خاصة.
لأن الملاحظ على أغلب الناس الأخذ بالدين، لأسباب لا يصح أن يجاريها أو يضعف أمامها، بسبب ما يواجه من ضغوط عائلية أو مجاراة لأحوال المجتمع، فقد يستدين لأجل أن يسافر سفر نزهة واستجمام، ويحاول الوصول إلى هذا الأمر ولا يجد طريقاً غير الاستدانة فيسلكها غافلاً عن سوء عاقبتها، وعلاج هذا أن يروض الإنسان نفسه على الرضا والقناعة ويحملها على الصبر والتحمل إلى أن يسعه الرزق الذي يأتيه من كسب طيب.
إن على العاقل أن يعرف الضرر العائد على الأخذ بالدين من غير حاجة ولا ضرورة، فمن الضرر أن المستدين يجعل في عنقه منةً تجعل للدائن عليه فضلاً، ومن الضرر أن ظروف الزمان قد تأتي بما لم يخطر بالبال بما يقتضي تأخير سداد الدين عن وقته المعلوم فيقع في وعد كاذب، وقد يجره صاحب المال إلى القضاء، وربما آل به الأمر إلى السجن بسبب الدين، وفي هذا جلب المخافة إلى النفس، وقد جاء النهي عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها»، قالوا وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «الدين»، أخرجه أحمد في المسند (17320) وإنما كان الدين جالباً للخوف لشغل القلب بهمه وقضائه والتذلل للغريم عند لقائه.
ومن الضرر الحاصل في الدين إذا تأخر في سداده أن ينشأ بينه وبين الدائن مجافاة أو عداوة، فيكون الدين سبباً لذهاب المحبة والمودة، وأعظم من ذلك وأشد أن يأخذ الإنسان بالدَّين ممن يتعامل بالربا، وما أكثر الإغراءات اليوم التي يطرحها المتعاملون بالربا لخداع الناس ليقعوا فريسة في شركهم الآثم.
- وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية