يقول وليد المعلم وزير خارجية سوريا: (هناك مؤامرة لإسقاط النظام في إيران بدأت من دمشق، مروراً ببغداد، ونهاية بطهران). طبعاً كلام كهذا لا يمكن أن يقبله أي متابع، ولعله أراد منه أن يُبرر تخلي (سوريا البعث العربي) عن العروبة والتحاقها (بالبعث الفارسي)!.. دعونا نقبل مقولة المعلم هذه - جدلاً - ونسأله من الذي أتى بالمالكي لحكم بغداد؟.. أليس الأمريكيون؟.. طيب لماذا يأتون به، ويدعمونه، ويمررون ولايته الثانية بالقوة، ثم يسعون إلى إسقاطه ليصلوا - كما يزعم المعلم - إلى طهران؟ ؛ هذا الضعف في سياق حجة المعلم كافٍ لنسف نظرية المؤامرة التي يروجها النظام ويصر عليها.
القضية - إذاً - لا تحتمل المؤامرة؛ فقد كان السبب الرئيس معالجات نظام الأسد الخاطئة للأزمة منذ بداياتها، وإصراره على مواجهتها بالقمع والقتل بل والسحق، فاتسع الشق على الراقع، وأيقظ ثارات كانت مكبوتة منذ أحداث حماة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي لتصب الزيت على اللهب، فتفاقمت الأزمة وتداعياتها إلى أن أصبح إقصاء الأسد ونظامه عن حكم سوريا بمثابة شرط الضرورة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، وإلا فقد يتّسع الحريق السوري ويصل إلى دول الجوار، وفي مقدمتها لبنان.
صحيح أن هناك قوى إقليمية ودولية حاولت توظيف الشرارة السورية، وسوء تعامل النظام معها، لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، إلا أن رعونة الأسد في التعامل مع الأزمة عندما انطلقت شرارتها في درعاكان هو أس الخطأ الأول الذي ترتب عليه فيما بعد هذه الخسائر المهولة والهزائم المتلاحقة للنظام ولسوريا على كافة المستويات.
القضية السورية الآن اتخذت منحى آخر، يختلف عنه في بداياتها، فقد دخل وبقوة لاعبون جدد إلى الأزمة السورية، فتحولت من حرب تسعى إلى إسقاط النظام، إلى حرب مذهبية (خالصة) بين السنة والشيعة، تقودها إيران وليس نظام الأسد؛ وهذا التطور في قيادة الأزمة، ودخول إيران بقوة إليها، هو ما سيجعل إيران في تقديري أول الخاسرين. قد أفهم لماذا حول الأسد النزاع في سوريا من ثورة داخلية على نظامه إلى نزاع طائفي، آملاً أن تضطر الأقليات الطائفية إلى الوقوف معه مجبرين لا مختارين، ولكن هل من مصلحة إيران على المدى المتوسط والبعيد إيقاظ النزعة الطائفية السنية في المنطقة؟.. لا أعتقد أن محللاً إيرانيا متزناً وموضوعياً سيجيب بنعم عن هذا السؤال؛ فمن يرصد الشعور العام للشعوب العربية قبل أحداث سوريا سيجد أن إيران بالفعل حققت خلال الثلاثة عقود الماضية شعبية واسعة نسبياً لدى الشعوب العربية من خلال دعمها للقضية الفلسطينية، ما جعل كثيراً من العرب يتجاوزون التباين المذهبي والتراكمات التاريخية بين العرب والفرس، ويعتبرون أن إيران (الإسلامية) قوة صديقة يجب التحالف معها، وكسبها في مواجهة العدو الإسرائيلي؛ غير أنَّ أحداث سوريا نسفت هذا الشعور رأساً على عقب، وأعادت إيران (الصفوية) بوجهها المكفهر (الحاقد) على أهل السنة إلى ما كان عليه، وأحرجت مثل هذه التصرفات غير المدروسة بعناية حتى (جماعة الإخوان المسلمين)، حلفاء الخمينيين التاريخيين، فوجدوا أنفسهم أمام ضغوط داخلية وعربية أرغمتهم على اتخاذ مواقف لا تتواكب مع الحلف الإخواني الخميني، وكانوا سيذهبون أكثر لولا ضغوط - يقولون إنها (ابتزازية) - هددت بها إيران (الجماعة) إن هم ذهبوا بعيداً في دعم ثوارسوريا والتخلي عن تحالفاتهم معهم.
وختاماً أقول : لا أظن أن أحداً قادر على استشراف مآلات الأزمة السورية، وإلى أين ستنتهي، إلا أن إيران خسرت كثيراً، وبشكل غير متوقع، صورتها المقبولة (نسبياً) لدى مناصريها من الشعوب العربية، وبالذات القوميين العرب الذين تعاطفوا مع خطابها في مواجهة العدو الاسرائيلي طيلة العقدين الماضيين.
إلى اللقاء