لا يمكن تحت أيّ مبرر أن يدعو إِنسان عاقل إلى التحرش بالنساء، لأنهن يعملن في الأسواق، أو لأنهن حسب المواصفات “المتشددة” يُعتبرن من المتبرِّجات؟ ويأتي هذا كلّّه ضمن الحملات المكثفة لعمل النِّساء في وظيفة كاشيرات، في حين لم تأت هذه الحملات ضد النِّساء البائعات على الأرصفة، ولا المتسولات، فهنا تُقاس تلك الدعوات بأنّها ضد عمل المرأة الذي يكفل لها المال الحلال، والمكان المناسب الذي يحفظ كرامتها، مما يعني أن الحرب هي ضد كرامة المرأة، بدليل أن نساء الأرصفة وإشارات المرور لم تُحرك “حميّة” أهل الدعوات التحرشية، وهذا كلّّه في ظلِّ غياب قانون صارم وصريح ضد التحرش، وتطبيق الفكر المجتمعي القائم على أن المرأة إِنسان مُصدّر لجريمة إغواء الرجل، لذا فكل من تغوي الرَّجل يجب أن تُعاقب وتُعزّر بالتحرش! الأمر الأكثر إيلامًا في هذا هو وجود نساء داعمات لهذه الجريمة البشعة في حقِّ المرأة، وهؤلاء النِّساء هُنّ من صنف الداعيات إلى زواج المسيار والوناسة، وهو تطبيق لبقاء المرأة كأداة متعة للرجل، وكائن ليس من حقَّه الاستقلال الاقتصادي والقانوني، وكما سمعت ممَّن تردَّد مقولة (المسيار ستر)، ما أقوله هنا ليس ترويجًا لفكر مرّ على من قِبل حالات شخصيَّة، إنما حالة لفكر مجتمعي يَرَى أن المرأة لا يسترها إلا الرجل، وإن لم تعش في كنفه، حتَّى على مرتبة مسيار ووناسة فهي معرضة للذئاب، كما أنَّها شيطان لا يتلذذ إلا بالحرام! هناك فكر خاطئ نعيشه وندفع ثمنه، فما نسمع من قصص موجعة لم تأتِ دخيلة على مجتمعنا، وأرفض من يبرر هذا تحت أيّ ذريعة، فما نراه ونسمعه هو نتائج طبيعيَّة لأفكار خاطئة تغلغلت في جذور الفكر المجتمعي، أباحت أمورًا بعيدة عن الدين باسم الدين، وما ذلك الخبر عنَّا ببعيد، الذي تناقلته وسائل الإعلام قبل أيَّام عن حبس شابين سعوديين بتهمة اغتصاب سيدة في أمريكا، فهل هذا خبر مفاجئ؟ الإجابة من دون أيّ دبلوماسية (لا) فمجرد الدخول إلى صفحتي الشابين في تويتر وقراءة بعض أفكارهما، التي هي رجيع لأفكار مجتمعية سلبية، تجعلني أقول: إن الخبر ليس مفاجئًا، فهما وجدا فتاة غير مسلمة ومتبرجة وفي أماكن مشبوهة، كل هذه محفزات لجريمة الاغتصاب بحسب التلقين الخاطئ، الذي -قد- لا يكون للأهل أيّ ذنب فيه، بل إن الأهل يحاولون تربية وضخ المنهج السليم في عقول أبنائهم، إلا أنهَّم بالنهاية أبناء مجتمع يَرَى أن الخطيئة هي المرأة، التي لولاا لما أخطأ الرجل! إننا في ظلِّ هذا العبث الخاطئ في مفاهيم النشء، صار من الصَّعب السيطرة التربويَّة، لكن من السهولة السيطرة بحد القانون الذي بإمكانه أن يقضي في غضون سنوات بسيطة على هذا العبث الفكري، الذي تسبب في إيجاده عوامل كثيرة لا يسعني تناولها الآن، إلا أنني تناولت كثيرًا منها في مقالات سابقة.

إن قوانين التحرش لم تعد مطالب متفرِّقة، بل هي مطلب لإيجاد قاعدة فكريَّة صحيحة تطرد سموم النَّظرة الدونية للمرأة، وتأطيرها في مجال يمنع العنف بِكلِّ أشكاله، بما فيه هذا النوع!