الشعور بالتملّك غريزة إنسانية لا يُلام عليها أحد ولا ينصرف عنها إلا الزاهدون، وهم قلة في هذه الدنيا! وكثيراً ما تتردد عبارة (أخليه لعيالي بعد ما أموت حتى ما يتشردون)! كناية عن الرغبة بتملّك بيت العمر.
وتجد هذا الشخص يعمل ما بوسعه ويبذل كل ما لديه من أجل البيت، ابتداءً باختيار مكان الأرض وانتهاءً بالتأثيث مروراً بالبناء والتشييد. وبعدها تراه وقد فقد جزءاً من صحته وكثيراً من راحة باله بسبب تراكم الديون! ومن يحظى بقرض الصندوق العقاري تنهال عليه التهاني، وهو قرض ملزم بسداده على مدى خمس وعشرين سنة، بالإضافة إلى ديون البنك التجاري الذي يقض مضاجع الآمنين!
والعجيب أن المرء لا يكتفي بمسكن صغير يؤويه في حياته ويحمي أبناءه من التشرّد بعد مماته! ولكنه يشتري أرضاً واسعة ويبني عليها مسطحاً كبيراً بمجالس متعددة وغرف فوق الحاجة وملاحق وخيام ومسبح وحدائق غنَّاء وكأنه من الأثرياء برغم أنه محدود الدخل! وينتشي سعادة حين يركب سيارته ويفتح الباب الكهربائي متوجهاً لعمله موظفاً براتب محدود!
إن ظاهرة التقليد التي تسيطر على العقول وتعيث فساداً بالقلوب قلبت حياتنا إلى حلبة من المظاهر لأن بيت (الفلان) مساحته تتجاوز الألف متر، وبيت (العلان) يكاد يكون ميداناً لسباق الخيول! ونسوا أن تلك المساكن تحتاج جيشاً من الخدم لتنظيف منافعه وترتيب غرفه، ومثلهم من السباكين والنجارين عدا عن الكهربائي والمزارع لسقي حدائقه وتشذيب أشجارها. وحارس يقظ أو يضطرون لنشر كاميرات مراقبة في نواحيه! وكل هذه الحشود من العمالة تحتاج ميزانية كبيرة لا يقوى عليها إلا أصحاب الدخول المرتفعة ناهيك عن الفواتير الشهرية للخدمات! وكل هذه التكاليف لا يستطيع موظف أو متقاعد أن يغطيها ما لم يكن مسؤولاً كبيراً أو تاجراً ثرياً أو لصاً فاسداً!
ومن سيجاري أقاربه أو معارفه أو أصدقاءه أو يجامل أبناءه فإنه سيتعب لا محالة وسيكون كالطاحونة لا تستفيد قط من الطحين! وهذا هو حال فئة عريضة حينما دخلت حلبة المباهاة والتقليد!
ولو فكر المرء بأن المسكن الذي سعى وتعب لتملّكه لا يستحق كل هذا العناء! بل إنه بعد عشر سنوات سيحتاج لترميمه أو التغيير في تصميمه وسيكلّفه ذلك كثيراً! ولو اكتفى باستئجار منزل صغير في بداية تكوين حياته الأسرية ومن ثم ادّخر للحصول على مسكن ذي مساحة محدودة لكفاه همَّ الاستئجار ولما شقي بصيانته ونظافته وترميمه، مع الوضع بالاعتبار أن أبناءه مهما طال بقاؤهم فهم طيور مهاجرة سيغادرون العش لمساكنهم، وسيعود الاثنان اثنين، ويبقى هذا المنزل مزاراً لطيفاً لأبنائهم لا يطيلون به البقاء لأن أحفادهم سيكونون مصدر إزعاج غير محتمل!
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny