في السياسة لا تدوم المواقف المبنيَّة على العواطف، فكل المواقف التي تُبنى على الحماس العاطفي تزول بمجرد زوال الباعث الوقتي، بل قد تنقلب تلك المواقف إلى الضد تماماً!
هذا ما رأيناه ونراه على الساحة السياسية العربية منذ إنشاء الجامعة العربية في الأربعينيات من القرن الماضي وتوقيع عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية التي لم يرَ النورَ منها شيء، ولو أن الحكومات العربية قد نجحت في تنفيذ 10% فقط مما ورد في تلك الاتفاقيات لكان الواقع العربي الآن في أفضل حال!
هذا الكلام معروف ومكرر، لكن مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين المملكة ومصر منذ أيام في مجال الربط الكهربائي بين البلدين أعادت إلى الذاكرة مسيرة طويلة من جهود العمل التكاملي بين الدول العربية؛ وهي مسيرة محزنة لأن العرب لا يجيدون لغة المصالح بقدر إجادتهم لمفردات الشعر والعاطفة.
ومعروف أيضا أن مسيرة الاتحاد الأوروبي بدأت باتفاقيات صغيرة محدودة تتعلق بالفحم والصلب في الخمسينيات من القرن الماضي بين دول أوروبية خرجت للتو من حروبها المدمرة وتتحدث لغات مختلفة وتدين بمذاهب مختلفة أيضا! تبلورت تلك الاتفاقية وتطورت وأصبحت على النحو الذي نراه في أوروبا اليوم بعد أن دخلت في الاتحاد دول أخرى كانت تحت هيمنة الاتحاد السوفيتي السابق.
لغة المصالح هي التي تدوم، أما العاطفة فتزول، وقد تتحول إلى قوة مدمرة، وخاصة في أمة ما زالت «جينات» أفرادها تحمل إرث المعارك الغابرة منذ ما قبل حرب داحس والغبراء.
إذا ما سَلِمَتْ اتفاقية الربط الكهربائي بين السعودية ومصر من تقلبات العواطف وخرجت إلى حيز التنفيذ فستكون علامة بارزة ومهمة في مسيرة التكامل الاقتصادي بين هاتين الدولتين العربيتين الكبيرتين، وستحقق مصالح اقتصادية هائلة ووفراً مالياً للبلدين معاً، إلى جانب ما سوف تحققه من استقرار واعتمادية في الخدمات الكهربائية المقدمة للمستهلكين في البلدين وستكون نموذجاً يحتذى تسير عليه البلدان العربية الأخرى.
يقول المهندس عبدالله الحصين وزير المياه والكهرباء أن مشروع الربط الكهربائي بين السعودية ومصر وفق الترتيبات التي تضمنتها مذكرة التفاهم سوف يحقق عائداً استثمارياً يصل إلى ثلاثين بالمائة، وأن البنك الدولي قد قام بمراجعة وتقييم دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع وخلص إلى تأكيد الجدوى الفنية والاقتصادية.
هل نتفاءل بتوقيع هذه المذكرة التي قيل إنها ستكون النواة الأولى لـ «سوق عربية للكهرباء» يشترك فيها ويستفيد منها جميع العرب؟ هذا ما نرجوه ونتطلع إليه رغم عثرات الماضي ومراراته!
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض