تذكَّرت مقال الكاتب الرائع سمير عطالله في الشرق الأوسط يوم الخميس 21 رجب 1434هـ 30 مايو 2013 العدد 12602 عن التَّعليم: “يتكرَّر التفوق السنغافوري تقريبًا في كلِّ مباراة.
وقد بحث العالم عن السبب فوجده في المنهج الذي يعرف الآن “بالرياضيات السنغافورية”. وهو منهج يطور باستمرار من قبل لجنة من العلماء وليس على أيدي المُوظَّفين. ويعرض لنا الدكتور المدني الفارق الفلكي بين ما يتلقاه التلميذ العربي وتلميذ سنغافورة في الحقِّول العلميَّة. والأفضل لطلابنا ألا يتعرَّفوا عليه لأنَّه شديد الإيلام”.
نعم تذكَّرته وأنا أتصفح بين يديّ كتاب التَّربية الوطنيَّة للصف الثاني ثانوي، جميع الأقسام، بنين، طبعة 1433-1434هـ، وقام بتأليفه ومراجعته كما مثبت مجموعة من المتخصصين، دون نصّ على أسمائهم، ودون معرفة سيرهم الذاتية، ومؤسساتهم التي ينتمون إليها، وكانوا مجاهيل في مجاهيل لا يعرف لهم طرف إلا في أروقة إدارة المناهج في وزارة التَّربية الموقرة التي سلّمت تطويرها لمؤسسة خاصة تضع اسمها على طرف المناهج المدرسيَّة وكأنها تعمل بالمجان بِكلِّ أسف، ومما يجعلني متحفزًا فيما يخص مناهجنا المدرسيَّة أن وسائل الإعلام قبل فترة سلَّطت الضوء على مشاركة بعض طلبة العلم المُتحمِّسين ممَّن يحتاج إلى مناصحة لتصحيح منهجه في صياغة منهج الفقه لطلاب وزارة التَّربية والتَّعليم مما يدل على أننا مخترقون وللعظم في وقت يؤكِّد على حاجتنا إلى مفكرين وعلماء لصياغة المناهج وليس إلى مُوظَّفين أو صغار في طلب العلم يعبثون بمناهجنا التَّربويّة ويغرسون في أذهان طلابنا قدواتهم التي يعتقدون أنَّها صالحة بفكرها الوافد غير المتصالح حتَّى مع نفسه..
إن الكارثة التي يعاني منها الناشئون تكمن في تغذيتهم بطريقة ممنهجة بالحيرة والاضطِّراب وعدم الفهم مما يسهل عملية انقيادهم لغيرهم من المؤدلجين والمغامرين، ويجعلهم غير مؤصلين، وغير راسخين أمام الزوابع ورياح التغيير، بسبب التعمية لكثير من القضايا الواقعية التي تحتاج لضبط في مسارها وما فيها من أبواب تحتاج لتفسير الآيات وبيان الأحاديث بما يَتَّفق مع رؤية السلف الصالح فيما يخص أبواب الولاء والبراء والجهاد والتكفير، والحل ليس في حذفها من تلك المناهج، بل الحلّ في شرحها للطُّلاب بطريقة تَضمَّن فهمهم لمتشابهها على طريقة السلف الصالح، وكتاب التَّربية الذي بين يدي في مجمله لا يخلو من فوائد جمّة، ولكن في الحديث عن الوقت حاول المُتخصِّصون كما سمّوا أنفسهم إقحام حسن البنا في هذا الكتاب التربوي ليتم إقناع الناشئة به كقدوة تغرس في أذهانهم في مستقبل الأيام، فقالوا في ص84: “والوقت كما قال الشهيد حسن البنا هو الحياة، فما حياة الإِنسان إلا الوقت الذي يقضيه في ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة”، وذكروا من المراجع كتبًا لرموز من جماعة الإخوان المسلمين،...
حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، هذه الجماعة السياسيَّة التي تسعى لتحقيق مشروعاتها عن طريق التَّربية والتَّعليم في أيِّ مجتمع يسمح لها بالتغلغل في داخله، وقد عانت منها المجتمعات كلّّها بِكلِّ أسف ومن تأزيمها للعلاقات بين النَّاس على أية جهة كانت بسبب فهمها المغلوط للإسلام العظيم، وبالرغم من تحفظي على كلمة الشهيد التي لا يجوز إطلاقها إلا لِمَنْ ثبتت له عن طريق النصوص الصحيحة إلا أنني لست في مقام جرح وتعديل لمخلوق أو جماعة، ولست ممَّن يفرض وصايته على أحد، ولكن تقتضي الحكمة والظروف التي نمرُّ بها وتمرُّ بها المنطقة أن نغرس في أذهان صبيتنا أسس الوطنيَّة عن طريق الرموز وطنيَّة بعيدًا عن الأحزاب الوافدة والفكر الطارئ ورموزه وما تحمله من مشروعات تقويضية إن رأى المختصون ضرورة التَّعليم بالقدوة، فكان الأولى اختيار نصوص لسماحة العلامة الشيخ ابن باز، وسماحة شيخ الإسلام ابن عثيمين وغيرهما من علماء الأمة الموثوق بعلمهم، ولم تفتنهم الحزبية والتحزبات وبخاصَّة أن لهم جواهر في هذا المقام تعزِّز من الوطنيَّة وتغرس حب هذه البلاد وقادتها في نفوس الناشئة، وسماحة الشيخ ابن باز قد تحدث عن ضرورة حفظ الوقت وأهميته في محاضرة ألقاها سماحته -رحمه الله- في الجامع الكبير بالرياض، تحدث فيها عن الوقت وفيها كلمات في قيمة الوقت وأهميته وواجب المسلم نحوه، والأسباب المُعيَّنة على حفظه. ونصائح في كيفية استثمار الوقت على الوجه الصحيح النَّافع المبنية على حديثه صلَّى الله عليه وسلَّم إِذْ قالَ: “لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربع عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أين اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ”....
إن مجال التَّعليم، يُعدُّ في نظر الخبراء أحد أهم المجالات حيويَّة وأشدها تأثيرًا في وعي الناس. ومن يمسك مفاتيحه المعنوية حاليًا يتحكَّم في زمام كثير من الأمور السياسيَّة مستقبلاً. ولذلك حرصت الجماعات والأحزاب على التحكُّم في مفاصل هذا المجال، ولا أدل على ذلك من حرص جماعة الإخوان المسلمين على التَّعليم والمشاركة في صياغة المناهج في كلِّ بلد تتغلغل فيه، لأن التَّعليم هو المدخل الأنسب الذي يمهد لها الطَّريق في أيِّ مجتمع للسيطرة عليه بالنفس الطويل وعدم العجلة في قطف النتائج تحت أيّ مسمى على الجمعيات الإِنسانيَّة والعلميَّة والمراكز الأهلية والهيئات غير الرسمية وهو ما يعنى أن هناك قطاعًا مؤثِّرًا من المنتمين إليها والمحسوبين عليها والمتعاطفين معها يقوم بدور معتبر في العملية التعليميَّة وجمع الولاءات للجماعة ومن يسير في خطاها وإن اختلفت المسميات...
ومن أكثر المشاهد إيلامًا، التي تدل على معاناة كل الدول من هذا الاختراق الممنهج ما قرأته في الحوار المنشور في جريدة الخليج الإماراتية فيما يخص الجلسة الثامنة التي عقدتها محكمة أمن الدَّوْلة في المحكمة الاتحادية العليا قبل أيَّام لمحاكمة متهمي التنظيم السري لقلب الحكم في الشقيقة الإمارات إِذْ ورد في المناقشة بحضرة المحكمة، “المحامي: ما علاقتك بالمتهم فلان الفلاني؟ الشاهد: تعاملت معه في تأليف مناهج وزارة التَّربية والتَّعليم ووجدت فيه كل خير”.
والمهم في هذه الأسئلة والأجوبة سيطرة الفكر غير الوطني في صياغة مناهج التَّعليم على مرِّ العقود السالفة، للنحو بها منحىً بعيدًا عن الإخلاص للوطن ورموزه وثوابته ليسهل تشكيلهم أدوات غير فاعلة ومعاول للهدم وتعطيل التنمية، وخير دليل ما تعانيه بعض دول الخليج من تأزيم حركي أفسد الحياة البرلمانية وأشغل الحكومات عن مسيرة النماء وكل ذلك كان نتيجة التَّربية على مناهج وافدة وفكر مستعار، والله من وراء القصد...
abnthani@hotmail.comعميد الموهبة والإبداع والتميز البحثي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية