إن كان المن والأذى يبطل الصدقة ويلغي الهدف منها.. فإنَّ العطاء لا قيمة له إن خالطه شيء من الامتعاض ولو بإشارة من تقطيب الجبين.. فكيف إن كان ما يمنح حقاً مكتسباً لا منة لأحد فيه؟.. ماذا إن كان ناقصاً؟.. أو منح على أرض من الريبة أو محاولة لتغيير اكتسابه بكرامة.
ولأن السجون منطقة حرجة يتعلم فيها السجين معنى أن تصادر حريته كنتيجة طبيعية للاختيار الخطأ.. سواء كان بضرر الآخرين.. أو استخدام الحرية لتجاوز حدود المسموح إلى المساحة الخطرة من الممنوع.
فإن مرحلة قضاء المحكومية تعد فترة يولد بها إنسان آخر لا يشبه الإنسان الذي قبض عليه أول الأمر.. فهو ما بين أن يصبح عائداً تائباً لأنه استطاع أن يلمس مسؤوليته عن أفعاله.. أو أكثر توحشاً وعناداً وتحدياً.. لأنه لا يزال يعلق على الآخرين سبب عدائه وخيبته.
ولا شك أن الثقل الذي ترزح تحته المديرية العامة للسجون ليس سهلاً ويمكن وصفه أو نقده بجرة قلم لمن لا يعرف كيف تكون الأمور هناك.. حيث اللا حرية.. واللا قبول.. والخوف من النور.. والمستقبل المجهول.. وعراقيل وجراح.. وقصص تسترها جدران السجون الصامتة لطفولة مستباحة.. أو مراهقة تائه.. أو نضج تتحداه ظروف قاهرة.
إن مسؤولية هذه الشريحة متشعبة.. ومترامية بين أطراف متباعدة.. لا يسعنا أن نتناولها في مقال وحتى كتاب.. لكن عندما يضطر السجين لمقابلة المجتمع في الأماكن العامة.. هنا لنا وقفة لا بد أن تتسع لها صدور المسؤولين لأهميتها البالغة.
على سبيل المثال لا الحصر.. عند خروج السجين للعلاج ومراجعة مستشفى عام لا بد من حماية كرامته مهما كانت جنحته.. لأسباب سنتطرق لها.. فما معنى أن يأتي السجين مكبل اليدين والرجلين.. بملابس رثة وغير نظيفة.. مكشوف الوجه.. أو محاولاً ستر جزء من وجهه عن العيون المتطفلة.. والخائفة.. والمرتابة.. والمتهمة!
من تراه يستطيع أن يتحمل كل هذا الثقل والمهانة؟ وكيف سينسى كل ذلك.. لحظة يفكر أو يقرر أن يتغير للأفضل.. وأي شجاعة ستبقى لديه عندما تنتهي فترة عقوبته.. وهو عالق بتجربة سابقة مشى فيها بين الناس ورأى وشعر برفضهم له.. وخوفهم منه.. واحتقارهم لحاله؟
ألسنا نوجد فجوة جديدة بين السجين والمجتمع.. وبين السجين وذاته؟
ألسنا نرسل رسالة مغلوطة عن معنى قضاء العقوبة؟
أليس من حق السجين أن يخرج للعالم وهو بشكل مقبول ومرتب ومحترم؟
ألا يمكن أن يحدد لهم مكان خاص بهم بعيداً عن سياط العيون التي لا تعرف من هم حقاً وماذا يعانون؟
ليس لدوافع عاطفية وإنسانية فقط.. إنما لدواع أمنية تأخذ في اعتبارها أهمية الكرامة للجميع.. وكيف يمكن أن تساهم في إصلاح الفرد إن تم التعامل معها كخط أحمر لا يقبل التجاوز.
amal.f33@hotmail.com