تغيير المسمى من رئاسة الحرس الوطني إلى وزارة الحرس الوطني.... هل تعطي دلالات تهم المواطن العادي.....؟ من حق المواطن ان يطرح مثل هذا السؤال فأنا كمواطن عادي لن أنظر لحضور المسؤول مجلس الوزراء أو عدم حضوره إلا بمقدار انعكاس ذلك على عطاء وزارته للارتقاء بمستوى حياتي...
من يعرف الأمير متعب بن عبدالله عن قرب يعرف تنوع وعمق ثقافته وأيضاً يعرف رؤيته المستقبلية..، ما أعنيه ان هذا الرجل رغم أنه عسكري الدراسة والممارسة الإدارية إلا أنه يملك رؤية حضارية لمستقبل مجتمعه...، عندما تشرفت بالتحاقي محاضراً في كلية الملك خالد العسكرية رغبت في مواصلة دراستي للدكتوراه في مصر وحينها كان سموه قائداً للكلية قال نعم للابتعاث ولا لمصر أمامك بريطانيا أو أمريكا فقط...؟ كان أشبه بقرار عسكري وفعلاً أكملت الدكتوراه في بريطانيا وذلك في الثمانينيات (بعد عودتي بالدكتوراه أرسل لي خطاب تهنئة قال فيه: الكلية والوطن بحاجة أبنائه حملة الدكتوراه، وفقكم الله). رؤية متقدمة للكادر التعليمي السعودي الذي يريد ان يمسك زمام التعليم في الكلية...، قد يعتبره بعضهم أمراً شخصياً ولكنني أعتبره مؤشرا لفكر وتطلعات متعب بن عبدالله في المواطن السعودي وفي المؤسسة التي يديرها..
من هذا المنطلق ومنطلقاً من طبيعة تسلسل مهمات وزارة الحرس الوطني في عملية البناء الاجتماعي والثقافي بالإضافة لمهماته العسكرية...، فإنني أتصور ان تحويله لوزارة هو في واقع الأمر يأتي في إطار تأهيله لتلك المهمة...
تاريخياً جميعنا نعرف ان خادم الحرمين الشريفين تولى الحرس الوطني في بدايات إنشائه عام 1382 هجرية واستمر في رئاسته إلى أن تولى مقاليد الحكم كملك للمملكة العربية السعودية...، تأسيس الحرس الوطني يمثل في التحليل الاجتماعي والتاريخي المرحلة الثانية من عملية التوطين للفرد السعودي باعتبار ان المرحلة الأولى كانت في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله...، أبناء البادية التحقوا بالحرس الوطني آنذاك بشكل مكثف والنتيجة ان قائد الحرس حينها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز احتوى هؤلاء من خلال منظومة عمل شاملة...، بين خدمات تأهيل علمي وصحي وعسكري وربما صاحبها تأهيل نفسي ليتقبل أبناء البادية الاستقرار في مكان واحد وتحقق ذلك بمنتهى السلاسة، حيث تم تأسيس مدن اسكان متكاملة الخدمات سكن راق ومدارس ومراكز علاج وأسواق مركزية وملاعب للأطفال جاء البدوي من الترحال ليتناول طعامه بالملعقة والسكين..... باختصار مدينة متكاملة الخدمات في أكثر من مدينة... والنتيجة ان الانتماء لهذه المؤسسة بات مضرب المثل...
نجاح برنامج التأسيس في تلك المرحلة جاء حصيلة تنوع برامج التعليم، حيث تجاوزت محو الأمية إلى مستوى التعليم العالي في أرقى الجامعات العالمية في الكثير من التخصصات الإدارية والتقنية والإعلامية بالإضافة للتخصص الرئيس وهو العسكري...
ثم جاءت المرحلة الثانية لانطلاقة الحرس الوطني بالمهرجان الوطني للثقافة والتراث (الجنادرية) كما هو معروف محلياً...، وهذا المهرجان نقل عطاء مؤسسة الحرس الوطني للخارج، حيث قدم الصورة الحضارية عن المملكة للعالم ككل ما فتح آفاقا متقدمة لما يمكن ان تقوم به تلك المؤسسة..
الآن ومع تغيير المسمى من المتوقع والمنطقي أن يتطور الدور بما يتفق مع المتغيرات المحلية والعالمية، فالبعد العسكري والأمني باق، بل نتمنى استمرار تقدمه سواء بشرياً أو من خلال التجهيزات والآليات... وتبقى مهمة وزارة الحرس الوطني اليوم تعميق الهوية الوطنية من خلال انطلاقة جديدة تستند على معطيات الاستقرار الوطني والتوطين الذي تحقق لأبناء البادية من منسوبي الحرس بحيث نعمل على استثمارهم في توجيه الحراك الاجتماعي والثقافي القائم في البلاد وفق رؤية إستراتيجية تنطلق من الوحدة الوطنية وأيضاً ضرورة التعايش مع الآخر وفق ثقة بالتراث من ناحية وقدرة على الاستفادة من عالم يتقدم بالثانية دون شعور بالدونية أو الخوف، ورجل بثقافة وخبرة متعب بن عبدالله قادر على تحقيق ذلك... ليكتمل بذلك العمل الإستراتيجي الذي قام به خادم الحرمين الشريفين فمرحلة التوطين كانت البداية والتمكين وتعميق الهوية الوطنية للمواطن السعودي وفق رؤية معاصرة تؤمن بالتطوير وتعمل على خلق التعايش داخل المجتمع من خلال شراكات متنوعة اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً.. فالعسكرية اليوم ليست دبابة وطائرة، بل فكر وعقول تدير أمما...
- أستاذ علم النفس المشارك - كلية الملك خالد العسكرية