يتحدثون عن الفساد في التخطيط، وفي التنفيذ, ومن ثمة في نتائج تضافر سوء التخطيط والتنفيذ.., وبينهما يكتشفون تدني الأمانة وعدم الإتقان، والتهاون في الواجب، واستغلال سلطة القرار، وتسهيل الصلاحيات، ومهابة المقعد..
بمعنى آخر جوانب الفساد في الإنسان ذاته الذي يعمل ولا يتقن، يعمل ولا يخلص, يعمل ولا يملأ في خاناته الحساب الأساس الذي إما أن ينجيه, وإما أن يهلكه..
غير أنّ هناك جانباً آخر للفساد الإداري، قلة تجدهم يضعونه في مكانه الموازي، هذا النوع من الفساد هو الذي لا تراعى بوجوده أدوار الذين يعملون بإخلاص، ويسيرون في جادة، ويبذلون لأعمالهم أوقاتهم على حسابات خاصة منها أسرهم، وراحتهم وأعمارهم.. فيصبحون بكل ما قدموه من الجهد, والبذل، ورقة في يد رؤسائهم، متى رضوا عنهم مكّنوهم، وقرّبوهم، وحفظوا لهم تقديرهم، ولو في شكل ذكرى «لمشوارهم».., فإن انقلبوا عليهم قلّصوا صلاحياتهم، وربما نبذوهم، وأقصوهم، «وركنوهم», و»همَّشوهم» أو بالغوا فطووا صفحاتهم دون أي اعتبار لأدوارهم, وجهدهم، و»مشوار» خطاهم.. فيصيبونهم بالخيبة، والإحباط، ليتقلّبوا في دوامات أسئلة حائرة عن الأسباب تجعلهم في متاهة، وتدخلهم في حزن، ولا تخرجهم من الخيبة..
هذا النوع من الفساد موغل في الآثار التي يتركها في النفوس، موازياً للفساد الذي يخلف في المقدرات, والمنجزات، ونتائج الأعمال..!
غير أنّ الخسارة في المال والمقدرات, لا توازي حجم الخسارة الناجمة عن هذا السلوك في التعامل مع المرؤوسين..
ولئن التفت القوم للفساد العام، لكنهم لم يلتفتوا لفساد النفوس فيمن يملكون الزمام، والقرار، تلك النفوس التي إن لم يكن لها رادع ذاتي، فلابد أن يحكمها قانون نظام يحفظ لكل فرد جهده، وحقه في شراكة البناء والإنجاز.. فلا يبدّده هوى من تنام ضمائرهم في صدورهم من أصحاب القرار في جميع المرافق، والمؤسسات..
إذ كثيراً ما يصحو مخلص فلا يجد في صفحات جهوده كلمة، ولا سطراً، إذ تكون قد محيت في موقف قرار غير منصف, أو خفيت في صدر يجيش بلا تعفف..
إنّ مكافحة الفساد العام متابعة, ومراقبة، وضبط بأدلة، وبراهين، وقرائن، وأعداد، وأرقام، ومساحات, وأحجام و, و.. تمكن من مكافحة هذا النوع من الفساد، وإشاعة العدل والإنصاف وحفظ الأدوار لكل الناس في مواقع أعمالهم.
ومكافحة فساد القرار الذي يمس الإنسان، ويطفئ شعلة نشاطه، ويرمد أوراق كفاحه، ينبغي أن توضع لها قوانين، وضوابط تحفظ لكل ذي بذل كل قطرة عرق، ونبضة تفاعل، وجهداً فكرياً، وجسدياً.., بل أياماً، ولياليَ، وسنين عمر لا ينبغي إحراقها في لمحة..
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855