تصنف الجامعات بأنها محاضن تربوية بامتياز، ومقار نهضة عقلية وبناء معرفي متقن، وهي المرجعية في التوجيه والإرشاد والإصلاح المبني على أسس علمية ومنطلقات شرعية أو دستورية قانونية مدروسة ومقننة خاصة في حس الأكاديميين ولدى غالبية شرائح المجتمع المتطلعة للتكوين الثقافي المتميز وتنمية المهارات المختلفة،ولذا فهي في نظر المنظرين وأهل الاختصاص لا تكتفي بتدريس الطلاب ومنحهم الشهادات الجامعية بل يقع على عاتقها مهمة بحث ودراسة الإشكاليات المجتمعية، وفتح أبوابها لجميع أفراد المجتمع المحلي طوال العام من أجل الاستفادة من خدمتها وتطوير ذواتهم في مراكزها المتخصصة،والقراءة للجديد من الكتب والمجلات العلمية في رحاب مكتباتها التي هي من المفترض أن تكون بحق منارات للعلم ومنابر للمعرفة.
هذا هو الواجب والمنتظر والمؤمل من الجامعات في الأدبيات النظرية التي تؤصل لرسالة ومهمة هذه الصروح التنموية الهامة، ولكن الواقع وللأسف الشديد يقول غير ذلك إذ أن كثيراً من جامعاتنا التي شيدت لتكون مرغبة ومحفزة ودافعة للتزود من مناهل العلم والمعرفة، ومكتشفة للمواهب ومنمية للمهارات والقدرات ومعالجة لمشاكل التنمية في مجتمعاتنا المحلية، أقول إن هذه الجامعات ما زالت عاجزة عن القيام بهذا الدور الوطني الهام،ولذا فهي في مثل هذه الأيام تستعد لطوي صفحة عامها الجامعي كما هو حال مدارسنا في التعليم العام وستغلق أبوابها ولن يدخل أسوارها إلا قليل من الإداريين والموظفين وأعضاء هيئة التدريس المكلفين بالتدريس الشهرين القادمين وعدد محدود من طلاب الفصل الصيفي.
أين هي الأندية الصيفية؟، ولماذا يقضي شبابنا وفتياتنا الجامعيين والجامعيات إجازتهم السنوية بلا هدف أو حتى هوية، ليلهم نهار ونهارهم ليل يتنقلون بين الاستراحات وقصور الأفراح وتجدهم في الشوارع والممرات؟، وما هي برامج تنمية مهارات الشاب السعودي التي أعلنت عنها الجامعات السعودية في غضون هذه الأيام لينخرط بها أبناؤنا حسب رغباتهم وبناء على ما لديهم من هوايات؟.
كيف يؤسس لجامعة جاذبة ليس فقط لطلابها ومنسوبيها بل لبقية منظومة أفراد المجتمع المحلي النساء والرجال على حد سواء؟، ومتى يكون اليوم الذي تقوم المكتبات الجامعية بدورها الحقيقي في المشاركة الفعلية ببناء شخصية مشروع «مثقف سعودي» ما زال في طور التكوين؟.
إنني أتطلع إلى اليوم الذي تكون زيارة الجامعة ضمن مفردات برنامج السائح سواء أكان سعودياً أو عربياً أو غربياً حين يعقد العزم على قضاء أيام معدودة في إحدى مصايفنا المعروفة سواء ليلتقي في رحاب الجامعة بالمفكر.. أو ليتعرف على الكاتب.. أو ليشاهد مسرحية طلابية قرأ عنها في الصحف، أو ليحضر محاضرة للخبير المتخصص في.. والذي تستضيفه الجامعة هذه الأيام، أو ليشارك في دورة تدريبية لينمي مهارته في ...أو على الأقل ليلتقط صوراً تذكارية في رحاب الحرم الجامعي .
الطالب.. والأستاذ الزائرين من الأعراف العالمية الرائعة،ومع ذلك بدأ يخبو بل ربما لا وجود له إلا ما ندر بين جامعاتنا السعودية، فلماذا لا يعود لتتعزز الشراكة وتتلاقح الأفكار وتقوى وشائج الصلة والقرابة العلمية بين الأقران؟.
كم هو جميل أن يكون صيف الجامعات حافلاً بالأنشطة الطلابية والمجتمعية «الثقافية والاجتماعية والفنية والرياضية والعلمية» الجاذبة التي تجعل هذه الصروح مزاراً للجميع يقضي بها الشاب أجمل ساعات يومه، وأفضل أيام حياته، علاوة على إقامة مناشط خاصة ل vib ولكبار السن والمتقاعدين كل حسب توجهاته وبناء على رغباته، وبهذا فقط ستكون الجامعة من أقوى روافد التنمية الوطنية المستدامة في المملكة العربية السعودية،ولعل هذا من بين الأهداف التي من أجلها كان ميلاد ما يسمى بـ»الجامعات الناشئة».
إن الجامعات تملك المال ولديها العقول وبين جنباتها المعامل والمختبرات والمكتبات والمسارح والقاعات والصالات الرياضية والملاعب المزروعة وما بقي سوى أن تمد جسور التواصل من أجل تعزيز فعاليتها في المجتمع المحيط بها، وليكون لها أثر فعال وقوي على شابات وشباب المنطقة أيام الصيف خاصة، هذا ما يتطلع له المواطن الذي يرى الواقع وينشد الإصلاح في الحال والفلاح في المآل، دمتم بخير، وإجازة سعيدة بإذن الله، وإلى لقاء، والسلام.