ماذا يخطر في بالك حين تسمع مصطلح «علاقات عامة»؟
معظم الناس يفهمون منها: محاولة تقديم أو تحييد الحقائق للجمهور بصياغة متحيّزة تؤثر في انفعالاته وتفاعله!
التأثير في الانفعالات والعلاقات الإنسانية, وبالتالي التصرُّفات, مجال قديم قدم أول الحضارات الإنسانية؛ ميدان فروسية للتواصل بكل أنواعه. ولكنه أيضاً مرن ومتجدِّد التفاصيل مع تغيُّر الأزمنة والمفاهيم.
لعلّ الشعراء العرب المفوّهين كانوا فرسان العلاقات العامة لقبائلهم، عبر قصائدهم في الفخر والمدح والهجاء مؤثرين في التقييم الفردي, وتوجيه الموقف الجمعي تجاه «القبيلة» المؤسسة التي ينتمون إليها. ولذا كانت القيادات والقبيلة كلها تصغي لهم تعتز بهم, أو تخافهم, أو ترسل من يقتلهم. والكلمة سلاح ذو حدّين بين متكلم, ومتكلَم عنه, وبينهما يقف الجمهور؛ يصدق أو لا يصدق! يصفق أو لا يصفق!
منذ حكمة زهير ابن أبي سلمى ومدح وهجاء المتنبي، إلى صرخة أمل دنقل «لا تصالح» إلى هجائيات «نزار قباني» إلى قصيدة محمود درويش «عابرون في كلام عابر» إلى قصيدة هشام الجخ «التأشيرة» ... كلها رسائل مرسلة إلى «القيادات» ويصغي لها وينفعل بها الجمهور!
و لكن العلاقات العامة اليوم في عصر التواصل الاجتماعي بتقنياته المتقدمة وتحكمه في الأدلة المرئية وأفقه المفتوح على الجمهور البعيد, بل جماهير متعدّدة, مجال يتطلّب أكثر من قصائد مسبوكة. وقد تطوّر من الفن اللفظي البحت مسموعاً أو مكتوباً, إلى تخصص علمي متشعّب, يتطلّب معرفة الوسائل العلمية للتأثير النفسي على جمهور المؤسسة, لتوجيه التصرف العام المستقبلي.
مع الأسف ما زال البعض منا يرى العلاقات العامة من داخلها, أو من خارجها, بأنها فعل تجميلي من طرف واحد لتحسين السمعة.. بينما يراها آخرون أكثر تعمُّقاً في دورها الحقيقي: تأسيس حوار تفاعلي إيجابي, ضمن إطار أكثر عقلانية كفعل إقناعي يحترم عقل المتلقِّي وانفعاله, ويطمح إلى تغيير جذري في رؤيته للمؤسسة وقياداتها بناءً على اقتناع. وفي هذه الرؤية الأخيرة تطوُّر يدل على نضج المؤسسة مهنياً.
تفهم الدور الإيجابي للعلاقات العامة وإلغاء الدور السلبي, مقصوداً أو غير مقصود, ليس أمراً سهلاً. فهو يتطلّب إيماناً بالحوار المفتوح وتلمس الاحتياجات المتبادلة.
ببساطة المؤسسة تود البقاء وربما الربحية وجمهورها يتطلّب خدمة صادقة.
ما هو إذن الطريق لتجسير الفجوة بين الأطراف الثلاثة: إدارة المؤسسة, وفريق العلاقات العامة, والجمهور العام، بحيث يكون الناتج إيجابياً للجميع؟
وحين المؤسسة التي نتكلم عنها هي الوطن, ما هو الدور الأمثل لما يجب أن يكون دور العلاقات العامة؟
يتبع ..