توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصاد المملكة لهذا العام بمعدل يصل إلى 4.4 بالمئة، معتمداً على رؤيته بأن صادرات وأسعار النفط قد تتراجع مما سينخفض معه النمو الاقتصادي بشكل تلقائي. ورد معالي وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف بأن هذه التوقعات منخفضة، ولا تتماشى مع تطورات الاقتصاد المحلي الإيجابية، خصوصاً أن الصندوق توقع معدلات نمو أقل للعام الماضي من توقعات وزارة المالية. والصندوق الدولي معروف بتحفظاته لتوقعات النمو على المستوى العالمي، ودائماً ما يصدر تقارير دورية يعدل فيها من توقعاته. وهذا يعود لآليات عمل الصندوق في المقام الأول وليس للدول من حيث اتفاقها معه او اختلافها. والمفارقة أن وكالة ستاندر اند بورز أصدرت تقييماً ائتمانياً ممتازاً للمملكة في هذه الأيام عززت من النظرة الإيجابية لاقتصاد المملكة. لكن يبقى قياس الأثر لأي تحسن بمعايير الاقتصاد على المواطن هو التقييم الحقيقي لكل العمل الاقتصادي من كل الجهات المشرفة عليه. فالمواطن هو الهدف الرئيس لأي خطة اقتصادية، وهو محور الموازنة العامة بكل أبوابها واعتماداتها. ومن المهم التذكير بأن تنمية وتطوير الكوادر البشرية تعليماً وتدريباً تحظى بنصيب الأسد في الموازنة سنوياً، وتصل إلى ربع تقديراتها منذ سنوات. وارتفاع عدد المعاهد والجامعات وبرامج الابتعاث دليل على ذلك. لكن التحديات كبيرة، فالأثر المأمول لكل الحراك الاقتصادي يجب أن يظهر بمعدلات البطالة والتي ما زالت مرتفعة رغم كل إجراءات الجهات المعنية لتوظيف العاطلين والعاطلات، إلا أن نسبة البطالة للعام الماضي وصلت إلى 12.1 بالمئة رغم أن خطة التنمية التاسعة الحالية والتي تنتهي العام القادم تستهدف معدل بطالة 5.5 بالمئة، فهل ستتحق هذه النسبة والتي ما زالت الأرقام بعيدة عنها خصوصاً أننا في هذه الأيام سندخل أكثر من مئة ألف خريج جامعي لسوق العمل بخلاف المعاهد والعاطلين الحاليين، وهل ستتوفر فرص عمل ملائمة لكل طالب عمل. فالقضية ليست توظيفاً فقط بل تناسب الوظيفة مع المؤهل العلمي والتدريبي. ويضاف إلى ذلك دخل الوظيفة، فآخر دراسات مؤسسة التأمينات الاجتماعية خرجت بأرقام ضعيفة عن متوسط الدخل للسعوديين بالقطاع الخاص، فيكفي أن 9 بالمئة دخلهم دون 1500 ريال بعدد 122 ألف موظف، وقرابة الثلث من العاملين بالقطاع الخاص من المواطنين دخلهم أقل من 4000 ريال، أي أرقام تفوق 300 ألف مواطن ومواطنة، فيمام يصل متوسط الرواتب لكل المسجلين في نظام التأمينات الاجتماعية إلى مستوى 6000 ريال.
فقضية رفع الدخل للمواطن هي من أهم معايير الحكم على تأثير معدلات النمو الاقتصادي مهما ارتفع، ومن الأفضل قياسه على مدى زمني طويل يصل لعقدين على الأقل لمعرفة التطورات الحقيقية في الاقتصاد من ناحية التأثير على أحد أهم ركائز خطط التنمية الاقتصادية، وهو الفرد بالمجتمع. أما قضية الإسكان فهي ذات أهمية كبيرة لأنها تمس الفرد مباشرة وتنعكس عليه من ناحية الدخل والاستقرار، وكذلك التنمية الاقتصادية لما لقطاع الإسكان من تأثير بالغ بالنشاط الاقتصادي، فما زالت معدلات تملُّك السكن ضعيفة إجمالاً وإن اختلفت تقديراتها، إلا أن نسبتها المرجحة من متوسط كل الإحصاءات والدراسات لا تزيد عن 40 بالمئة فعلياً، والمقصود السكن اللائق في المقام الأول. يضاف لكل آثار النمو على المواطن الصحة العامة والتعليم والخدمات وتحفيز النشاط الاقتصادي بما يمكنه من فتح مشروعه الخاص لمن لا يرغب بالوظيفة، وما هي الإجراءات المتبعة لمساعدته على ذلك من بنى تحتية وتمويل وأنظمة وغير ذلك من متطلبات دعم القطاع الخاص خصوصاً المنشآت الصغيرة والمتوسطة. مما لا شك فيه أن الأجهزة الحكومية المعنية بالملف الاقتصادي تعمل وتبذل جهوداً حثيثة لتنفيذ الخطط الاقتصادية وتعزيز قوة اقتصاد المملكة الذي وصل إلى مستويات ممتازة من ناحية الملاءة المالية والاحتياطات والتحفيز، إلا أن قيام هذه الأجهزة بقياس الأثر لكل هذا العمل الجبار على المواطن ورصد كل المعوقات ووضع الحلول لها يبقى العامل الأبرز بإنجاح كل هذه الخطط وقياس جدواها خصوصاً على المدى البعيد مع توضيح ذلك بالأرقام الدورية التي تكشف تطورات الأثر بإيجابياته وسلبياته.