أعجب ما في التصريحات الصادرة عن بعض المسئولين؛ الذين يحالون إيصال رسالة تبرير من نوع ما، ومن ثم تمييع بعض مطالب المواطنين، أن الذي يتحدثون عنه معروف ومكشوف لكل الناس، وأن محاولات التبرير هذه؛ غير مبررة في ذاتها بالمرة.

* استوقفني تعجب من هذا القبيل، في تصريح صدر قبل عدة أشهر عن رئيس هيئة الطيران المدني، رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للخطوط السعودية. هذا التصريح يختصر المسافة بين القنفذة ومطار العقيق في الباحة من 300كم إلى 160كم..! والكل يعرف أن مطار العقيق الذي يبعد عن قلب الباحة ذاتها 90كم، يبعد أكثر من 250كم عن محافظات في الباحة نفسها في اتجاه الساحل، فكيف والقنفذة تقع على ساحل البحر الأحمر، وبينها وبين العرضيتين المتاخمتين لحدود منطقة الباحة 180كم، وبين العرضيتين ومطار العقيق أكثر من 120كم..؟!!

* هذا التصريح العجيب الذي لا يُبرر أصلاً، لأنه يغالط واقع الجغرافيا بين تهامة والسراة وما بينهما من صدور، أثار استياء مواطني محافظة القنفذة والليث والعرضيتين وحلي وأضم وكنانة والقوز، وكافة المحافظات والمراكز في تهامة الوسطى، التي تقع بين ثلاث مناطق هي مكة المكرمة، والباحة، وعسير، بينما هي لو كانت منطقة؛ فهي أكبر من بعض المناطق، جغرافية وسكاناً، ومعاناة الناس في هذه الجهات عظيمة منذ زمن بعيد، فمطار جدة يبعد عنهم قرابة 500كم، ومطار العقيق يبعد عنهم أكثر من 300كم، وتعداد السكان يربو على نصف مليون نسمة.

* عَجابة هذا التصريح ليست فقط في التبرير بعرض أرقام لمسافات غير دقيقة، والناس تعرف ديارها، فأهل تهامة الوسطى بين حلي والليث والقنفذة والعرضيتين وما بين هذه وتلك، أخبر بالمسافات التي تربطهم بمكة وجدة والباحة، وهي طويلة وشاقة للغاية، وهذه المحافظات والمراكز: (القنفذة- الليث- العرضيتين- أضم- حلي- القوز- كنانة)، وغيرها؛ إذا لم تتحول إلى منطقة إدارية حتى اليوم، فمصيرها إلى ذلك، لأنها أكبر من مناطق إدارية أخرى، ودواعي نموها تتطلب الإسراع في إنشاء المطار إلى جانب الميناء الذي بدئ العمل فيه على ما أظن، ففي حال كهذه؛ تأتي تصريحات مسئولي الطيران المدني محبطة، بل صادمة وغير مناسبة، إذا ما عرفنا؛ أنه قد تم اعتماد المخصصات المالية لمطار القنفذة في ميزانية العام المالي 1432- 1433هـ، بعد توجيهات عليا في هذا الخصوص، ومتابعة وحرص من سمو أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل، فقد سبق أن أعلن رئيس هيئة الطيران المدني السابق في حينه، أن: (الهيئة أكملت إعداد التصاميم الأولية لجيل المطارات الاقتصادية، التي تمتاز بتكلفة إنشائية منخفضة لخدمة بعض المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة، وذكر منها مطار القنفذة الاقتصادي).

* محافظ القنفذة؛ (فضا البقمي)، يميط اللثام هنا، عن بداية تبلور حلم أهالي القنفذة، الذي ما لبث أن أخذ يتبخر على نار مماطلات وتصريحات وتبريرات مسئولي رئاسة الطيران المدني. قال المحافظ في تصريح له منشور: (وفقاً لتعليمات صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة؛ فإنه تم تشكيل لجنة من هيئة الطيران المدني، وأمانة محافظة جدة، وبلدية القنفذة، وبلدية المظيلف، والمحافظة، وهيئة الأرصاد وحماية البيئة، لاختيار موقع مقترح شمالي محافظة القنفذة، وتم اختيار الموقع، وبلغت نسبة الموافقة عليه 90 في المائة، وفي انتظار اعتماد هذا الموقع وتسليم الأرض لهيئة الطيران المدني، للبدء في تنفيذ مشروع مطار القنفذة الاقتصادي، موضحاً أن المساحة المتوقعة للمطار تبلغ نحو 21 كيلو متراً مربعاً، وسيعمل بمدرج واحد طوله 3 آلاف متر، وهو كاف وقادر على استقبال الطائرات ذات الأحجام المتوسطة والصغيرة، المتوقع استخدامها في مثل هذه المطارات، مثل طائرات البوينج 737، والأيرباص 320، والـ MD90 ، وتصل سعة بعضها إلى 180 مقعدا في الرحلة.

* أتذكر أني زرت هذه المحافظات كافة في أعوام خلت، وكتبت عنها في هذه الصحيفة سلسلة من التحقيقات والمقالات، وطالبت يومذاك؛ بمطار وميناء وجامعة وكليات مهنية وفنية.

* التعليم العام والعالي بدأ في تحقيق طموحات السكان؛ من خلال كليات جامعية وما في مستواها، ولكن تشغيل الميناء والمطار؛ هو من أهم عوامل التنمية والتطوير؛ في منطقة شاسعة تمتد على مسافة 500 كم على ساحل البحر الأحمر، و200كم إلى الداخل، وفيها من الأودية الزراعية والقرى عدد كبير لا يستهان به.

* لا تقتلوا أحلام أهالي تهامة الوسطى بمثل هذه التصريحات العجيبة، وحتى لا (يطير مطار القنفذة)، فها نحن نُذكَّر به في هذه الأسطر القليلة.