دون مقدمات ولا اعتبار لسيادة الدول؛ قررت أثيوبيا تحويل مجرى النيل الأزرق (أحد روافد نهر النيل) كبداية فعلية لبناء سد النهضة، وذلك للمرة الأولى في تاريخ النيل. وفي الوقت الذي ترى فيه الحكومة الأثيوبية أن ذلك مجرد إجراء هندسي بحت يتم عند مواقع إنشاء السدود, وأنه حق أصيل لدولتها وشعبها، بحجة أن أثيوبيا لم تعترض عندما شرعت مصر في بناء السد العالي؛ إلا أن هذا التصرف سيثير غضب حكومتي دول المصب (مصر والسودان) وسيؤدي لضرر بالغ لشعوبها، إذ إن بناء سد النهضة سيقلل من حصصها من المياه. لاسيما بعد تحذير الخبراء أنه مع كل نقص قدره أربعة مليارات متر مكعب من مياه النيل لمصر يبور معها مليون فدان وتتشرد مليونا أسرة، ويخسر القطاع الزراعي 12% من إنتاجه وبالتالي تتسع الفجوة الغذائية بمقدار خمسة مليارات جنيه. ومعروف اعتماد السودان ومصر بشكل كبير على مياه النيل للزراعة، لذا فإن تغيير مجرى النهر يشكل هاجساً مقلقاً لارتباطه بالأمن الغذائي لهذه الدول، ورغم كل هذه المخاطر إلا أن أثيوبيا مصرة على بناء السد وتشغيله! بل وتدعي أنه لن يؤثر على حصة مصر من مياه النيل، فالطاقة الاستيعابية لتخزين المياه التي تصل إلى 84 مليون متر مكعب ستخصص كلياً لتوليد الكهرباء وليس للري. بما يعني أن عملية تحويل المجرى لا يقصد منه منع جريان المياه، إذ ستعود بعد الاستفادة منها في إنتاج الطاقة إلى المجرى الرئيس مرة أخرى!
والحق أن أزمة المياه المتفجرة حالياً في العديد من مناطق العالم تعد من أخطر وأهم أسباب التوتر الدائر بين دول المنبع من جهة، ودول المصب من جهة أخرى. وقيام أثيوبيا بهذا المشروع يحمل في جوانحه مخاوف كثيرة ليس أشدها التحكم في المياه الإقليمية وتهديد شعوب الدول المستفيدة بل وتضرر شعوب أخرى من ذلك، وكأن المشروع يظهر تصرفاً عدائياً غير مسؤول، مما يتطلب تدخلاً دولياً على مستوى عال.
والواقع أن الأمر يعد مقلقاً حتى للمواطن السعودي الذي يعتمد في غذائه على المنتجات الواردة من مصر والسودان، ويتفاقم الوضع بعد قيام مستثمرين سعوديين في استصلاح أرض هناك وزراعتها بعد احترازات وزارة الزراعة وتحفظاتها بحجة قلة المياه لدينا ودفعهم للاستثمار في الخارج واستيراد المنتجات.
وحين تكنى مصر ببلاد النيل، إذ عرف بالنهر الخالد وشريان الحياة الذي يشكل دلتا في قلب كل مصري، فكيف يمكن أن تبقى مصر دون النيل؟!
قلبي عليك يا مصر الحبيبة!!
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny