ما نهاية هذه الفتوح العلمية في المخترعات والمكتشفات وعالم الاتصال وجديد الحروب وأسلحة الدمار الشامل واختراق الحدود وتكسير القيود وهدم الحواجز العالية بين المجتمعات والثقافات وإلغاء سيادة الخصوصية للشعوب والأمم والهيمنة عليها وإعادة صياغتها في شكل واحد متقارب وسمات متشابهة؛ هي سمات الحضارة الأمريكية في الأعم الأغلب؛ إلا أن اكتسحت العالم فجأة حضارة جديدة متغلبة قادرة على عولمة الكون كما تفعل الآن الحضارة الغربية، وعلى رأسها المنجز الأمريكي المذهل.
كيف يمكن أن نتخيل ما سنكون عليه في الأمد القريب؛ إذا كنا وخلال سنوات قليلة منذ بدء البث الفضائي، واقتحام الإنترنت عالمنا الخاص؛ لم نكن نحلم ولا نتوقّع أن يعبر فرد من عامة أي شعب في الكرة الأرضية وبحرية مطلقة عن رؤاه وأفكاره وهمومه ورضاه أو سخطه بدون أن يحجب أو يسمح أو يغضب أو يرضى عنه حسيب أو رقيب!
أصبح الآن لكل إنسان صحيفته، وشكل من شاء من نفسه وزارة إعلام، لقد أسقط الإعلام الجديد بكل وسائطه وتقنياته من الفيس بوك وتويتر أدوار الحكومات والهيئات الرسمية في الإمساك بمقود الرأي، وصناعة التوجهات، وصياغة وتكوين الثقافة الوطنية أو الشعبية، والإقناع بخطاب الدولة السياسي؛ فلم يعد الفضاء مملوكاً لقناة أية حكومة، ولم يعد في وسع أية دولة أن تتحكم في ما يبث وما يحجب، ولم يعد قرار صناعة الرأي في يد أية سلطة سياسية مهما كان نفوذها وقوتها وهيمنتها التقنية؛ فإمكان أي شعب من الشعوب التلاعب بالحيل الفنية التقنية لبث ما يريد عبر المدونات ووسائط نقل الرأي في الإنترنت.
هل سنصل يوماً ونحن نسير في إيقاع علمي مذهل متسارع الخطى إلى أن يكون لكل شخص قناته التلفزيونية الخاصة التي تنقل حركاته وسكناته، وتصوره ماشياً ونائماً ومعبّراً عن آرائه ومعتقداته بدون أن تكون لأية سلطة القدرة على حجبه أو منعه مما يذهب إليه من آراء كما يحدث شيء منه في ما يعرف الآن بتلفزيون الواقع؟! وهل سيجرأ من لا خلاق لهم وفق تطور ويسر هذه التقنية أن يهدموا البنيان الأخلاقي لمنظومة القيم التي تكون كثيراً من المجتمعات، وبخاصة مجتمعاتنا العربية والإسلامية؛ فيبث كل ضال ومتمرد زنيم ما يسوّل له شيطانه من أفانين الشر وقبائح الأخلاق وعالم الرذيلة المنقول على الهواء؟!
إنه خطر قادم وكوارث لا نتمناها لمجتمعاتنا؛ لكن مفاجآت هذا الزمان وكشوفاته المذهلة التي قد تكون ضارة ومضلة لا أحد يمكن أن يتنبأ لها بنهاية، ولا بما ستقذفه أمام عيوننا في لحظة صحوة أو غفوة لا نعلم متى تحل!
كيف يمكن أن نغدو غدواً في زمن سريع التحول عميق التغيّر منقلب على نفسه وعلى ما اعتاده وألفه، ولسنا نحن العرب والمسلمين من يتساءل ويحاول أن يتماسك أمام كشوفات هذا العصر وتحولاته وعطاءاته السارة أو الضارة؛ بل إن كثيرين من الغربيين أنفسهم والشرقيين أيضاً، وبخاصة ممن هم فوق الخمسين من أعمارهم لا يخلون من هاجس قلق وبقايا اندهاش وتعجب من عمق التحول في بيئاتهم واكتساح التقنية الإلكترونية حياتهم وخروج الجيل الجديد عن السيطرة، وانشطار المفهومات والرؤى بين جيل الآباء وجيل الأبناء!
وإن لم يحدث حادث كوني يوقف وتيرة الاكتشافات المتسارعة في المخترعات على مستوياتها كافة؛ في الطب والفضاء والاتصال والسلاح والغذاء فهل نصل يوماً إلى أن يطير كل منَّا وحده بدون طائرة، ويصل من يطير إلى مراده في أقصى الدنيا في لحظات، ويستأصل الطب عللاً معضلة لم يكن متوقعاً أن يجد لها دواء، ويتمكّن من إطالة فترة الشباب، ويستحضر صور وأحداث الماضي القريب كشريط تلفزيوني مصوّر، ويتكلم بلغة متقاربة مفهومة «الاسبرانتو» ويخضع أية لغة في العالم إلى الترجمة الفورية الجاهزة!
إنها مجرد افتراضات قد تحدث، أو قد ينتهي العالم كله بضغطة زر حمقاء!
moh.alowain@gmail.com
mALowein@