باختصار نقول للسيد حسن نصرالله: إن قناع المقاومة قد سقط، وانكشفت الأبعاد الحقيقية لمفهوم المقاومة حسب مفهوم “حزب الله”، فعندما تتجه المقاومة إلى دعم الظلم والاستبداد ومساندة القمع والقتل يصبح مفهوم المقاومة غير المفهوم الحقيقي
للمعنى الظاهر للكلمة، وتصبح السياسة الموجهة لأجندات إقليمية ضيقة هي اللغة التي تقصدها المقاومة حسب تفصيلات وتفضيلات حسن نصر الله. الأمين العام لحزب الله لم يتمكن من زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية منذ أكثر من خمس سنوات، ولا يزال يتخندق داخل أنفاق السياسة الإيرانية التي تملي عليه ماذا يفعل ومتى؟ لقد أخرجت السياسة الإيرانية حزب الله من أي ولاء وطني للدولة التي ينتمي إليها، وأصبح ولاؤه خارج حدود دولته لمن يتبعهم في دمشق وطهران. كثير من العرب كانوا يصفقون لنصر الله إبان حرب تحرير الجنوب اللبناني، ولكن أن تدخل قواته ومليشياته وشبيحته إلى الداخل السوري في القصير، وتقتل المواطنين السوريين في دعم سافر لجيش نظام قمعي يقتل الأطفال والنساء قبل الرجال، ويشارك مقاتلو حزب الله في عمليات قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير المنازل والممتلكات العامة، فهذا سقوط حقيقي لأيديولوجيا المقاومة لحزب الله.
باتت شعارات حزب الله مجرد حبر على ورق، أو لنقل مجرد دماء سوريين عزل ومقاتلي حرية يسكبها حزب الله على جدار التاريخ، ليعلن انفكاك أيديولوجيا المقاومة عن مفهومها الحقيقي الذي كان - ولا يزال - يدعيه نصر الله في محافل المروجين وأروقة المغرر بهم. لقد شهدنا سقوط كل شعارات السيد نصر الله، ولم تعد لغته مقنعة أو منطقه مقبولاً للجميع حتى من داخل هياكل الحزب؛ فهناك أصوات عقلانية أعلنت معارضتها الحقيقية لما تقوم به قوات الحزب داخل سوريا، وشجبت بصراحة ووضوح تدخل الحزب في الشؤون السورية؛ لأنه إعلان حرب ضد الشعب السوري، والشعوب لا تنسى، وقد تغفو، لكنها لا تنام.
معركة القصير مهما كانت نتائجها، كما أفضت إلى سقوط المقاومة لحزب الله ستفضي حتماً إلى سقوط نصر الله من ذاكرة المقاومة ومن شعارات التحرير. ومع مثل هذا السقوط ستبقى ذكرى نصر الله في قلوب الشعب السوري أليمة وجرعات المرارة صعبة.. وكما تجرع الشعب السوري مرارة النظام فقد تجرعوا أكثر مرارة جنود حزب الله في القصير ودمشق وغيرهما من المناطق الحدودية.. وقد ينسى الشعب ويلات النظام ولن ينساها، ولكن لن ينسى الشعب السوري من دافع عن النظام وأعطاه الغطاء السياسي، والأصعب هو من شاركه الحرب والقتال والظلم والفتك بأبناء وبنات الشعب السوري.
ومن الواضح أن ما يدور في القصير وغيرها معركة موت أو حياة لمفهوم الهلال الشيعي في منطقة الشرق الأوسط، وسقوط النظام السوري هو سقوط لدور حزب الله في لبنان، وسيمثل هذا السقوط إضعافاً للسياسة الطائفية في العراق؛ وبالتالي انهيار المخطط الإيراني في المنطقة بكليته؛ ولهذا فمعركة القصير هي معركة حياة أو موت، معركة أن يكون أو لا يكون المخطط الإيراني في المنطقة. ومعركة القصير تبعاتها جسيمة وعواقبها وخيمة، وهي خط فاصل بين مرحلتين، مرحلة السقوط السياسي والعسكري لمخططات الشر أو مرحلة استمرار هذه المخططات وما يتلوها من تبعات سياسية وعسكرية.
بكل تأكيد، فقد أضاع السيد حسن نصر الله بوصلة المقاومة، ولم يعد يعرف إلى أين يتحه، فبدلاً من أن يتجه إلى الجنوب اتجه إلى الشرق، وبدلاً من أن يذهب إلى القدس ذهب إلى حلب ودمشق والقصير، لقد فقد توازن المقاومة، وبدلاً من أن يكون سلاح المقاومة موجهاً لأعداء الأمة وجهه لقلوب وصدور أبناء وبنات سوريا وشعبها، وأصبح الشعب السوري هو العدو الأول لحزب الله وجنوده وشبيحته.. وتوعده أنه سيرسل مزيداً من جنوده للقصير يعني أنه يلعب آخر أوراقه السياسية والعسكرية في الملف السوري.. ولا شك أن قواعد اللعبة أصبحت واضحة، ولم تعد هناك أسرار مخفية؛ فحزب الله أعلن أنه وراء نظام بشار الأسد مهما كانت الظروف، ولكن في نظري الشعب السوري لم يقل كلمته الأخيرة، ولم يلعب ورقته التاريخية في دفن الأنظمة والأحزاب التي تقتات على القمع وتحارب الشعوب.
alkarni@ksu.edu.sa
- رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك خالد