|
متابعة - محمد المنيف:
إيمان الجبرين طالبة دراسات عليا (الدكتوراه) في قسم تاريخ الفنون بجامعة سسكس، غادرت الوطن جسداً لكن روحها لا زالت متصلة بروحانية بلد الإسلام المملكة العربية السعودية. فنانة تتعامل مع إبداعها بثقافة عالية في رقيها، تستجمع مكوناتها من بحث جاد قراءة وممارسة، تعالجها بفلسفة لا تتصادم مع الواقع بقدر ما تعيد صياغة الفكرة ممزوجة بالأصالة والانتماء لتراثها وثقافتها العظيمة.
سعدت الصفحة ببعض من مشروعها في معرض (جذر - جيل في الانتظار) الذي تنظمه حافة الصحراء، ويُقام على هامش فعاليات بينالي فينيسيا البندقية الذي ينطلق في 30 مايو، ويمتد إلى 24 سبتمبر 2013. لكن (إيمان) هنا، وفي هذه الفعالية، أتت بدعم ورعاية وزارة الثقافة والإعلام، وقدمت عملين، قلَّ من يتجرأ ويقدمهما هنا (الرأي لنا)؛ فكثيراً ما نشاهد ما يثير العتب من أعمال لا تتعلق بثقافتنا بقدر ما تسيء لواقعنا إرضاء لمنظمي المعارض التي يضع منظموها شروطهم بعد الإغراءات بالعالمية.
إيمان الجبرين عالمية النظرة، التي مكنتها من تطوير الذات الفنية، تتعامل مع الفكرة بعقل مدرك أنها رسالة لا تقبل إلا الصدق، ولا تتعامل إلا مع الهدف السامي الذي يرتقي بقيمة الإنسان، ويحتاج إلى الشجاعة النابعة من الثقة في مصدر إلهامها، فاختارت هدفها بدقة، وأصرت على تحقيقه، فكان لها ذلك، احتراماً وتقديراً وإعجاباً من المنظمين للمعرض.
نعود لفنانتنا إيمان الجبرين، التي جعلت من أصالتها وتقاليدها وتراثها عنواناً لها، ولملامح ورموز إبداعها الذي تظهر فيه المرأة السعودية كعنصر جاذب لأبعاد الفكرة.. بعباءتها ونقابها.. التي تقول عنه «النقاب حصانة لا تعيق المنافسة، ومشاركتي تحمل شيئاً من جماليات الوطن».
دعونا نبحر في عالم العملين كما أصدرت لهما البيان التفصيلي.
العمل الأول: لا تحاكمني.. فقط انظر إلى أعمالي
يناقش العمل مشكلة كبيرة مرتبطة بالفن المعاصر في العالم كله؛ إذ لم يعد الإنتاج الفني هو المحك الرئيسي للحكم على براعة الفنان واختياره، بل تتدخل عوامل أخرى مرتبطة بالشكل لتتحكم في مصير الفنان؛ ليتحول من شخصية منهمكة بالعمل في مرسمها الخاص إلى شخصية صالونات، تلهث وراء الأضواء والشهرة.
قامت الفنانة إيمان في هذا العمل باقتباس عمل لفنان الجرافيتي البريطاني (بانكسي) والفرنسي (دوجا) للتذكير بأن هذه المشكلة رغم قدمها لم تنتهِ بعد. فـ(دوجا) رسم صف الرقص في أوبرا باريس في القرن التاسع عشر محتجاً على طريقة اختيار راقصات الباليه المعتمدة على شكلهن الخارجي، وأمور أخرى لا علاقة لها بموهبتهن الفنية؛ ما جعل (بانكسي) يستخدم العمل نفسه في القرن الواحد والعشرين، مع إضافة شخصية (سايمون كاول) محكم برامج المواهب الفنية المتلفزة محتجاً من جديد على الطرق الجديدة التي تدعي البحث عن الموهبة الحقيقية في حين أن حكمها الرئيسي مبني على شكل الفنان.
ثم جاء دور الفنانة هنا لتستبدل راقصات الباليه بشخصيات سيدات منقبات، يحاولن الواحدة تلو الأخرى الولوج على استحياء في هذا العالم. وفي كل مرة تُقْبِل إحداهن نَجِد أن نظرات المحكم الساخرة موجهة إلى وجهها لا إلى عملها. تكمن قوة المشهد في تضاد اللون الأسود للحجاب وحلوله محل بياض رداء راقصات الباليه في النهاية؛ ليسيطر على المشهد، إضافة إلى نظرات أعينهن الثاقبة المغايرة لانكسار وخنوع راقصات الباليه الأوروبيات، لصدم المشاهد وحثه على مراجعة كل أحكامه السابقة على المرأة المحافظة.
العمل الثاني: هل يحدث الوجه فرقاً؟
يطرح العمل سؤالاً مهماً عما إذا كان يجب رؤية وجه الشخص (شكله الخارجي) للاعتراف بجدارته وإنجازاته أم لا؟ إن الشخصيات المجهولة والعاملة بصمت غالباً ما يساء الحكم عليها، ويتم الاستهانة بقدراتها في الزمن المعاصر الذي سيطرت فيه ثقافة المجتمع الاستهلاكي الذي يمجد الشكل على حساب المضمون. وهنا يظهر الحجاب قضية رئيسية؛ إذ غالباً ما نجده يعرّض حرية واستقلالية المرأة التي ترتديه للتشكيك.
إن العمل ليس الغرض منه فرض معتقد ديني أو عرف اجتماعي على شخص لا يؤمن به، وإنما هو دعوة إنسانية للمساواة في حكمنا على الأشخاص وإعطائهم الفرصة لإثبات ذواتهم وتعطيل العاطفة وتغليب المنطق عند الحكم. هو دعوة للعودة إلى جوهر الدوافع لفهمها والقدرة على احترام الأشخاص الذين اختاروا اعتناقها. فالخمار الأسود الذي يثير اليوم فوبيا في كل مكان عام بالخارج كان منذ مئات السنين رمزاً للفتنة الخفية والسحر الطاغي ابتكره (الدارمي) كحيلة تسويق ذكية روج بها بضاعة صديقه. العمل كما تشير الفنانة إيمان شاركت فيه 64 امرأة عاملة سعودية من شتى المجالات بتقديم صورة تمثل طفولتهن. لتعبر عن اختلافهن جوهرياً وتعكس راحتهن النفسية وقناعتهن الخالصة بهذا الاختيار خلافاً لما يعتقده الكثير من أنهن مقموعات ومجبرات. ولكن رؤية هذه الوجوه تتطلب بعض الجهد من المشاهد، تماماً مثلما نفعل حين نلتقي شخصاً للمرة الأولى ونجد أنفسنا مضطرين لتقييمه. وهنا يُطْرَح السؤال من جديد: هل أحدث هذا الوجه فرقاً في حكمه على إنجازاتهن حين كشفناه؟