بعد بضعة أشهر من اندلاع الثورة السورية في مارس 2011م، اتضحت مواقف الأطراف الإقليمية كإيران وتركيا ودول الخليج والوطن العربي، ومواقف الأطراف الدولية كروسيا والأوروبيين وأميركا وهيئة الأمم المتحدة. كما تكشفت مواقف
الجهات المرتبطة بالنظام السوري أو ذات علاقة فاعلة معها ، خاصةً الحركات الفلسطينية التي كانت قيادتها السياسية تقيم في سوريا كالجبهة الشعبية ـ القيادة العامة (أحمد جبريل) ، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (نايف حواتمة) ، وحركة المقاومة الإسلامية ـ حماس (خالد مشعل) ، حيث تباينت مواقف هذه الحركات ، فجبهة جبريل لم تتردد في دعم النظام السوري ولازالت موجودة في سوريا ، بينما حركة (حماس) خرجت منها وأيدت الثورة ، وقال مشعل عبارته الشهيرة : (وقفت سوريا معنا في الحق ولن نقف مع النظام في الباطل) . وبين هذا وذاك أخذت جبهة حواتمة طريقاً تراه وسطاً بالدعوة إلى الحوار بين نظام الأسد والمعارضة السورية ، فحسب تقديرها أن الحل العسكري أو الأمني لن ينجح بالنسبة للنظام ، والثورة لن تنجح بالنسبة للمعارضة.
أما أهم الحركات المرتبطة بالنظام السوري بخلاف الفلسطينيين فهي ما يسمى بـ(حزب الله) ، الذي يُعلن الولاء التام للقيادة العليا للثورة الإيرانية ومنها يتلقى الدعم بكل أنواعه عن طريق النظام السوري ، فقد كان هذا الحزب مراوغاً كالثعلب في مواقفه ، وخسيساً كالخنزير في تعاملاته ، ومجرماً كالشيطان في أفعاله ، حيث ظهر في بدايات الثورة وكأنه الناصح الأمين للنظام السوري بالعمل على الإصلاح والمضي في تكريس الحريات ، كما ظهر كأنه الأخ المشفق على الشعب السوري بالدعوة إلى وقف التظاهر واستخدام الوسائل النظامية كمجلس النواب للمطالبة بالحقوق والوقوف خلف قيادة الأسد، زاعماً أن ما جرى من قتل للسوريين في درعا على يد قوات النظام مجرد أخطاء بسيطة وحالات فردية تحدث في أي مكان ، ومحذراً من مغبة مواصلة الاحتجاجات والتظاهر أو التصعيد بالثورة على النظام لأن ذلك ـ حسب زعمه ـ يُضعف الممانعة العربية ويقوي موقف أعداء سوريا خاصة ًأميركا وإسرائيل ، لأن نظام الأسد هو حامي المقاومة وسوريا بلد الممانعة.
غير أن مواصلة نظام الأسد قمع الناس واعتقالهم وتعذيبهم ، ثم ملاحقتهم واقتحام مدنهم وممارسة القتل وارتكاب المجازر فيهم التي طالت حتى الأطفال والنساء ، دفع الثورة السورية إلى التحول من التظاهرات السلمية إلى الأعمال المسلحة ، بتكوين الجيش الحر ، والعمل السياسي من تركيا تحت مظلة المجلس الوطني السوري ، الذي يضم أغلب أطياف المعارضة في الداخل والخارج . فنشبت حرب حقيقية في أكثر من مكان على الرقعة السورية بين الجيش النظامي (جيش الأسد) ، وبين الجيش الحر (جيش الثورة) ، ومع الرغبة الشعبية التواقة نحو الحرية والكرامة ونيل الحقوق ووقف المظالم حقق الجيش الحر والفصائل المقاتلة معه انتصارات على نظام الأسد ، حتى استطاعت الثورة بسط يدها على كثير من المدن المهمة أبرزها حلب ، والاستيلاء على مواقع ومطارات عسكرية ، والتقدم نحو العاصمة لإسقاط النظام.
في ظل هذه الأجواء الملتهبة كان دجال المقاومة حسن نصر الله يجتر خطاباته المتتابعة ، محذراً من أن سوريا الممانعة في خطر ، وأن الحرب الدائرة بين الجيشين النظامي والحر تخدم معسكر أميركا وإسرائيل ، مثمناً في الوقت نفسه مواقف روسيا والصين وإيران والعراق ، كما كان ينفي باستمرار اشتراك مقاتلي حزبه في هذه الحرب ، على الرغم من صدور تقارير استخباراتية وصلت إلى وسائل الإعلام تُفيد اشتراك ما يُسمى حزب الله ، وفيلق الغدر العراقي (فيلق بدر) ، وأفراد من الحرس الثوري الإيراني ، الذين انكشفت حقيقة مشاركتهم عندما أسر الجيش الحر الحافلة السياحية الإيرانية ، فضلاً عن التسهيلات الخفية التي تقدمها حكومة نوري المالكي.
ولأن حبل الكذب قصير، كما كان قصيراً في حرب تموز 2006م بين إسرائيل وحزب ما يسمى (حزب الله) ، فقد ظهر دجال المقاومة حسن نصر الله ، يوم السبت 15 رجب 1434هـ (25 مايو 2013م) ، وهو يخاطب قطيع حزبه، معترفاً بأن أعضاء من حزبه يقاتلون إلى جانب قوات الأسد ، التي تحاصر القصير منذ أيام في محاولة لاقتحامها ، مبرراً هذه المشاركة بأنها لحماية (المقاومة) وظهرها ، ولقتال المعسكر الذي يضم الأمريكان والإسرائيليين والتكفيريين . وهنا يبدو حجم الكذب الذي يمارسه نصر الله ، فما بين نفيه السابق واعترافه الحالي قائمة طويلة من المجازر والفظائع المرتكبة في حق الأبرياء السوريين ، الذين قطعاً لم يكونوا صهاينة ، كما لم يكن أولئك الأطفال الذين ذبحوا في بانياس وغيرها من التكفيريين ، بحيث يخشاهم هذا الدجال على مقاومته الخرافية وحزبه (عدو الله).
بقي أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أنه رغم آلام ومواجع الثورة السورية وعدد الشهداء الذين سقطوا في طريق حريتها نحو النصر إن شاء الله ، إلا أنها كانت مفرزة حقيقية للدول والمواقف والشخصيات والوقائع ، فظهرت حقيقة حزب (عدو الله) ، وتجلت أكاذيب مقاومته ، وبانت سوأته وأنه مجرد ألعوبة في يد الملالي في طهران لتسخير مقاتلي حزبه (عدو الله) في خدمة مشروعهم الصفوي ، كون سوريا تمثل المحور الرئيس لهذا المشروع والحبل السري لتغذية هذا الحزب الفارسي . وأن المقاومة مجرد غطاء لخداع الشعوب العربية واللعب بعاطفتها ، بدلالة أنهم (إيران وحزب عدو الله) وقفوا مع الروس ضد الشيشان.
والنصر إن شاء الله للشعب السوري وليس لحزب (عدو الله) ودجال المقاومة.
moh.alkanaan555@gmail.com
تويتر @moh_alkanaan