يقول الخبر (أعطت شرطة إدارة نيويورك مؤخراً تعليمات إلى 34000 ضابط شرطة بعدم إيقاف النساء عاريات الصدر في الأماكن العامة ما دمن لا يخرقن القانون)، وحسب ما أوردته صحيفة “دو نيويورك تايمز”، فقد أعطيت الأوامر للشرطة بالمدينة بحماية النساء عاريات الصدر، وضمان حرياتهن الشخصية وسلامتهن الجسدية.
هذا القرار - كما هو نص الخبر - جاء بعد سلسلة من الدعاوى القضائية، والاحتجاجات التي رفعها النساء للمطالبة بالمساواة مع الرجال في الأماكن العامة، وبحقهن في الحرية الشخصية.. وتراوحت ردود فعل المجتمع الأمريكي، بين من يرى أنه اتجاه لضمان المزيد من الحقوق للنساء، وبين من يعتبره مظهراً من مظاهر الحرية المفرطة، والانحطاط الأخلاقي والفجور.. وتعليقاً على هذا القرار، قالت “روبي با”، في مقال لها بصحيفة “نيويورك تايمز”، “... إنّ الثديين جزء من الجسد الأنثوي، ينموان بشكل طبيعي، ويعتبران من مظاهر الجمال لدى المرأة، متسائلة: “لماذا يتم إخفاء النساء لصدورهن في الوقت الذي ينزع فيه العديد من الرجال قمصانهم حينما يشعرون بالحرارة، أليس من حق النساء أيضاً فعل ذلك”!؟.. واعتبر مارلين باركر، في مقال رأي له بجريدة “نيويورك تايمز”،”.. أنه لا شيء مقرفاً ومقززاً أن نرى النساء عاريات الثديين.
إن المرأة من أكثر الميادين التي تشهد تداول هذا المصطلح “الحرية” مرتبط به غالباً لفظ “المساواة” مع أنّ المساواة بين جنسين مختلفين جور وليس عدلاً والعدل خلاف المساواة -كما هو معلوم - والأول مقدم على الثاني ،، ولا يمكن بحال أن تتحقق تلك المعادلة التي يطالب بها البعض حين عقد المقارنة بين جنس الرجل وجنس الأنثى، ولذلك لا بد من تجاوز هذه الإشكالية المعقّدة في العلاقة بين طرفي هذه المعادلة الحياتية بالإيمان التام بالأدوار التكاملية بين هذين الجنسين وليس التماثلية التي هي سيرٌ خلاف سنن الله في خلقه.
لقد كثر الحديث في أوساطنا الثقافية عن “الحرية”، بل إنني لا أبالغ إذا قلت إنّ من أكثر الكلمات دغدغة للمشاعر وتأثيراً على السامع ورواجاً في قواميس وكتابات المسوّقين لأنفسهم مدّعي البناء والتطوير، النهضة والتغيير هذه كلمة “الحرية”، فهي في نظرهم حق مطلق لابن آدم ذكراً كان أو أنثى، ولذا لا عجب أن جعلها مفكرو القومية العربية الركن الأول للنهضة العربية المزعومة.. وعلى رأس الحريات والحقوق المطروحة وأولها “حرية المرأة”.. ومع إيماني وقناعتي التامة بأنّ من بيننا من أهدر كرامة المرأة وسلبها كثيراً من حقوقها الشرعية، إلاّ أنني في ذات الوقت أعتقد أنّ المطالبة بمنحها ما سُلبت والمطالبة بحريتها، يجب أن يكون منطلقاً من أرضية صحيحة وينبني على أُسس سليمة، بعيداً عن تلك الأرض الغربية الغريبة التي ولدّت لنا مثل هذه الآراء والسلوكيات المشينة التي تعتبر أنّ إخراج المرأة صدرها في الطرقات حرية شخصية وحق من حقوقها كالرجل تماماً!!.
إنّ من الواجب على المثقفين التمعُّن في مثل هذه الأخبار الصادمة للذّوق والمنافية للفطرة والداعية للفجور، حتى يدركوا طبيعة المجتمعات الإنسانية متى ما بعدت عن هدي الله، ويعرفوا حجم الخطورة المتوقّعة من المطالبة بكل ما من شأنه التوسع في مساحة المساواة المزعومة بين الجنسين، ومن ثم كان لزاماً على حاملي راية الحرية أن تكون المرجعية لديهم واضحة والأرضية التي يقفون عليها وينطلقون منها إسلامية وسطية صرفة، بعيداً عن التقليد والتبعية وسوق الأمثلة والشواهد العالمية، فنحن في غنى بما عندنا عن أن نستجلب الرؤية الغربية أو حتى الشرقية، وإلاّ سيأتي اليوم الذي تتعدّى الأمور مسألة الحجاب إلى مطارحة بقية مفردات اللباس واحدة تلو الآخر لا سمح الله ، وما القول بأنّ ساق المرأة ليس بعورة إلاّ خطوة من خطوات الألف ميل.
إنّ لحرية الرأي سقفاً وللحرية الشخصية حدوداً وللمجتمعات الإنسانية سنناً ولحياتنا في مملكة الله ضوابط ومحددات {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} .. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.