الذين يعرفون أقل القليل عن «اللجنة العليا للإصلاح الإداري» التي تحول مسماها دون ضجيج إلى «اللجنة العليا للتنظيم الإداري» يعرفون أن الأستاذ أحمد بن سالم الزهراني هو «الدينمو» الذي ظل يحرك هذه اللجنة من خلف الكواليس لسنوات طويلة باعتباره أمين عام تلك اللجنة؛ دون الإقلال -بالطبع- مِن جهود مَن سبقوه وجهود جميع مَن أسهم ويسهم في أعمال تلك اللجنة.
خرج مؤخراً الأستاذ أحمد من اللجنة إلى دنيا التقاعد الفسيحة بهدوء، ولولا الحفل التكريمي الرسمي الذي أقامه له معهد الإدارة العامة بحضور وزير الخدمة المدنية لما عرف الكثيرون أنه قد استطاع أخيراً أن يتخلص من «إدمان» العمل الشاق الطويل في تلك اللجنة التي كان لها فضل تنظيم أجهزة الدولة وإجراء آلاف الدراسات التنظيمية تحت مظلة معهد الإدارة العامة.
كنت أعرف، من خلال عضوية سابقة في اللجنة التحضيرية لتلك اللجنة العليا، أن الأستاذ أحمد كان يتوق منذ زمن إلى التقاعد، لكنه كان يستجيب لضغوط من يطلبون منه البقاء في اللجنة. وكنت أعرف لماذا يتمسكون به، فهو بمرور السنوات وتجربته الطويلة ومؤهلاته العليا في الإدارة العامة من جامعات الولايات المتحدة ومتابعته لتطورات ونظريات وتطبيقات الفكر الإداري الحديث على المستوى العالمي والمحلي قد أصبح «موسوعة» لا غنى عنها في المجال التنظيمي، كما أن طاقاته وحماسه وقدرته على العطاء دون كلل جعلت بقاءه في أمانة اللجنة العليا مكسباً يحتم التمسك به.
طبيعة العمل الذي كان يقوم به الأستاذ أحمد كانت تجمع بين البحث العلمي النظري والممارسات البحثية الميدانية التطبيقية والعمل عن قرب مع أجهزة الدولة في بُعْدِها التنظيمي للتعرف على المشاكل والمعوقات وتوظيف ذلك كله من خلال إمكانات معهد الإدارة العامة لتقديم دراسات معمقة تنطوي على توصيف لمشكلات الأجهزة الحكومية واقتراح الحلول لها ثم الرفع بذلك للجهات العليا للدولة لكي تتخذ ما تراه بشأنها.
وقد استطاعت اللجنة عبر سنوات طويلة أن تراكم كنوزاً من الدراسات والتقارير التي تتعلق بالتنظيم الإداري مما يجعلها المرجع الرئيس لأي جهد تطويري لجهاز الإدارة العامة في المملكة العربية السعودية. وبالطبع، ليس ذنب اللجنة إن كان بعض دراساتها واقتراحاتها لم يتم الأخذ به ولم يجد طريقه إلى التطبيق؛ فمن المعروف أن هناك قنوات وخطوات كثيرة يتعين تجاوزها قبل التطبيق ولا علاقة للجنة بها.
ولأنني كنت أعرف عزوفه عن الأضواء، فقد تصورت أن مَن يعرفون أحمد الزهراني ويدركون قيمة ما قدمه تظل في دائرة معينة من المسؤولين في الدولة وبعض الأصدقاء والمعارف حتى حضرت الحفل الشعبي الذي أقيم نهاية الأسبوع الماضي في الرياض على شرفه، فقد حضره جمع غفير جداً من الناس من كل أنحاء المملكة، وأُلقيت فيه الكلمات والقصائد حتى ضاق بها برنامج الحفل مما دفع عريف الحفل للاعتذار لمن لم يتسع الوقت لإلقاء مشاركاتهم!
أحمد الزهراني يتنفس الآن ملء رئتيه هواءً نقياً حجبته عنه دهاليز الوظيفة وسجفها زمناً طويلاً. أنصحه بألا يستمع لكلام من يحاول إغراءه بالعودة إلى عبودية الوظيفة، أيَّ وظيفة! استمتع يا صديقي بما تحمله الدنيا الجميلة من متع أولها القراءة وتسجيل تجربتك الطويلة المثمرة، وانتبه لصحتك، وقبل ذلك لآخرتك.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض