استيقظت العاصمة الرياض الأيام الماضية على حملة تطهير وتنظيف شعواء عمت جميع مطاعم ومراكز بيع الأغذية التي ظلت فترة مصدراً أساسياً لتموين المطبخ والمعدة السعودية! تلقى المجتمع السعودي أخبار الحملة بمشاعر متخطبة ومختلطة منها الزهو والفخر بأنه أصبح مصدر اهتمام ورعاية أمانة مدينة الرياض, وشعر بأن قيمته الإنسانية وصلت الى معدلات قياسية في ظل هذه الحرب المستعرة ضد كل ما قد يسبب ضررا بصحته, كما كان عنوان المشاعر الأولى لجمع كبير من الناس هو الصدمة, حيث لم يصدق البعض أن مطعماً ظل يأكل منه لسنوات, أو سوبر ماركت كان يبتاع منها معظم لوازم منزله الغذائية من لحوم وأجبان وخضراوات ومعلبات وغيرها, أغلق من قبل أمانة المدينة لعدم توافر شروط النظافة ومعايير الجودة ومنها جهل مصدر اللحوم أو تكديس المواد الغذائية بطرق غير صحيحة أو انتهاء صلاحية الأغذية أو وجود عمالة دون شهادات صحية وانتهاءً بعدم نظافة المكان أي وجود حشرات.. هذا الحملة حملت في جوفها أهم عناصر نجاحها وهو عنصر “المفاجأة” حيث جاءت دون مقدمات أو إنذارات مسبقة, ما شكل حالة صدمة وذعر في نفوس أصحاب المطاعم والبوفيهات وأوقع البعض منهم “بالجرم المشهود”, هؤلاء عديمو الذمة الذين يقدمون أرباحهم التجارية على صحة الناس العامة التي تضررت بشكل كبير في الآونة الأخيرة وتكدس أسرة المستشفيات وازدحام قوائم المواعيد بأمراض معروفة وأخرى مجهولة خير دليل على هذا, كل ذلك يعود لأسباب متعددة أبرزها سوء التغذية ورداءة جودتها فالمعدة كما قيل “بيت الداء والدواء”.
هذه الحملة التي شهدتها العاصمة لم تكن الأولى حيث شنت وزارة الداخلية مؤخراً حملة لتصحيح أوضاع العمالة المخالفة, وكسكان لتلك العاصمة الغالية نتوجه لكل الجهات من وزارت وبلديات ومؤسسات مدنية أن تشن حملات مشابهة ذات طابع وطني عال يحمل هم الوطن والمواطن ويضع اليد على مكمن الجرح, نتمنى أن تشن وزارة التربية والتعليم حملة لتصحيح أوضاع المدارس وتحسين أداء التعليم العام والخاص في البلاد, كما نتمنى أن نسمع قريباً عن حملة من قبل هيئة مكافحة الفساد لمحاصرة المشروعات المليارية التي لم تنفذ بسبب أيدي الفساد التي تقاسمت الكعكة فيما بينها, كما نطالب وزارة الصحة بحملة تفتيشية لكل المستشفيات والمستوصفات التي لازالت تعيث فسادا في صحة المواطن دون حسيب يحاسب أو رقيب يراقب, دون أن ننسى مطالبة البلديات بشن حملة تصحيحية لأوضاع الحدائق المشوهة والشوارع المكسرة في الأحياء التي تعود بعضها لعشرات السنين دون أن تضاف لها لمسة جمالية ولو بسيطة, وغيرها من الحملات التي ستزيد ثقة المواطن بمؤسساته حكومته وستصلح الكثير من مكامن الخلل التي تشكل صداعاً يومياً ومصدر ضغط وتنفير للمواطن والمقيم من مدينته على مبدأ لا يفك السحر إلا الساحر.
في ظل انخفاض ثقة المواطن بكثير من المؤسسات, وتنامي حالة اليأس والإحباط تجاه كثير من القضايا والمعضلات التي تبدو جلية كالشمس من حالة سوء الظن والغضب وعدم الرضا الشعبي المتزايد في مواقع التواصل الاجتماعي.. تطل تلك الحملات الوطنية لتعيد للمواطن الثقة والحماسة والزهو بذلك المنجز الذي تقوده أمانة مدينة الرياض لندرك كم كنا في حاجة إلى وسائل مفيدة لحلحلة الرتابة المخيمة على المجتمع, وإعادة نسمات الثقة بعد عاصفة طويلة من اليأس والإحباط الشعبي.. فشكراً أمانة الرياض.
Twitter:@lubnaalkhamis