يتداول الناس في المملكة هذه الأيام، وفي موقع (تويتر) تحديداً، قصة من اكتشفوهم من بعض الحركيين يسرقون التبرعات التي تجمع لنصرة السوريين. بالنسبة لي ليس ثمة جديد. فنحن متعودون على مثل هذه الأخبار منذ أن بدأت وزارة الداخلية تكتشف خلايا القاعدة؛ فما أن تكتشف خلية إرهابية إلا وتجد أدوات التمويل، كصناديق (إفطار الصائم) مثلاً، من ضمن وسائل الحصول على الأموال في أوكارهم؛ فهؤلاء الحركيون الذين اُبتلي الإسلام بهم كانوا يتّخذون من أعمال الخير وسيلة كي يصلوا من خلالها إلى الجيوب؛ يذهبون إلى التجار والموسرين يطلبون منهم التبرعات والزكوات، ويُوقفون مندوبيهم الصبيان أمام المساجد، ويتعمّدون أن يظهر الصبي الذي يجمع التبرعات بمظهر الصالحين مما يوحي للناس بالثقة والأمانة والصلاح، بينما قلوب من بعثه (يجولُ فيها أشعب)؛ وربما أن الصبي الصغير (الجابي) المسكين لا يعلم مصير المبالغ التي جمعها، وإلى أين تذهب، ومن هم المستفيدون، ولا يناله منها إلا الفُتات.
فما أن تحل بالإسلام والمسلمين نازلة من نوازل الزمان، حتى يتنادى (الأشعبيون): تبرعوا لإخوانكم، والتبرع من شيم النفوس ودلالة على حب الناس لفعل الخير؛ غير أن التجربة أثبتت أن جزءاً من هذه التبرعات، وتحديداً غير المرخص بها رسمياً من قبل الحكومة، تتجه اتجاهين: إما لإثراء بعض الدعاة، أو لتقوية هذه الحركة أو تلك وتمويل كوادرها ونشاطاتها السياسية، كحركة الإخوان المسلمين، أو غيرها من الحركات (السرية) الإسلاموية المعاصرة، وعلى رأسها - طبعاً - تنظيم القاعدة.
وكان كثيرون من المتأسلمين - هكذا دون تصريح رسمي - قد نادوا بالتبرع لسوريا والثورة السورية من خلال بعض الدعاة الحركيين المشبوهين، وحددوا المساجد التي تجمع فيها أموال التبرعات. أو الحسابات البنكية المطلوب التحويل عليها، غير أن السلطة منعتهم من أن يجمعوا أي تبرع إلا بتفويض رسمي من الدولة، فلم يعجبهم أن تُغل أيديهم من الوصول إلى جيوب الناس باسم الإسلام، فصعّدوا في تويتر حملة ضد هذا المنع من خلال «هاشتاق» سموه (حصار العمل الخيري)، وشارك في هذه الحملة كل أساطينهم المشاهير، رغم أن الحكومة لم تحاصر العمل الخيري كما يزعمون، وإنما قامت بتنظيمه، وتحديد الجهات الرسمية المخولة بجمع التبرعات لمنع الاستغلال وتجفيف تمويل الإرهاب، وهذا ما لا يريدونه ولا يرغبون فيه؛ فبالفوضى أثروا، وبالفوضى تمَّ تمويل العمل الإرهابي المسلح، وبالفوضى أصبح هناك تنظيمات تعمل تحت الأرض لتشكِّل (دولة لهم) داخل الدولة؛ وفي تقمصهم لشخصيات الصالحين الثقاة، شكلاً دونما مضمون، يستغلون بعض الموسرين السذج لتمويل جيوبهم وتنظيماتهم وإرهابهم.
القضية الآن تمَّ فضحها، وأصبح يدور نقاشٌ تكتنفه كثيرٌ من علامات الاستفهام، حول مصير الأموال التي يجمعها هؤلاء المتأسلمون باسم إغاثة الشعب السوري، ما يجعل تدخل الدولة والتحقيق في القضية أمراً في غاية الإلحاح؛ فالمسألة ليست شبهة (سرقة) قام بها نصاب فحسب، وإنما استغلال للإسلام، وقيم الإسلام، واتخاذه مطية لنهب الناس وسرقتهم والتغرير بهم؛ وهذه من أخس أنواع السرقات وأحطها في تقديري.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحركات الإسلاموية الحديثة وعلى رأسها (الإخوان المسلمون) ابتدعت فقها سمَّوه (فقه الحركة) يُجيز للحركة تمويل نفسها من أموال الزكاة للصرف على نشاطاتها السياسية، وقد خَرّجوا المسألة تخريجاً فقهياً كعادة فقهائهم، بعد أن لووا أعناق النصوص، واختلقوا لهم (أعداء)، واعتبروا أن أعداءهم هم أعداء الإسلام، وجعلوا من (مجاهدة) هؤلاء الأعداء عملاً يدخل في معنى (وفي سبيل الله) الذي هو من ضمن مصارف الزكاة.. وأكاد أجزم أنهم سيجدون لسرقة أموال إغاثة السوريين مخرجاً بنفس الطريقة؛ فالهدف والغاية ليس السوريين ولا إغاثتهم، ولكنه ظمأ (الحركيين) للمال والنفوذ وتمويل نشاطاتهم السياسية، وفي فقههم (الغاية تبرر الوسيلة)، حتى وإن اكتنفت هذه الوسيلة أو تلك شبهة السرقة.
إلى اللقاء