ماذا تعني كلمة «دقيقة» في بلادنا؟ أو عند العرب عموماً؟ الذي أعرفه أنها تعني 60 ثانية. هذا معناها الصحيح وتعريفها العِلمي والذي اتفقت عليه أمم الأرض. لكن لدى العرب فإن الكلمة لها معنى آخر، فعندنا كلمة «دقيقة» تعني 300 ثانية أو خمس دقائق، فإذا واعدت شخصاً أن تلقي به في مكان ووقت معين فإذا كان يابانياً أو أوروبياً فستجده قد سبقك، أما إذا كان عربياً فلا تستغرب إذا وصلتَ في الوقت الصحيح ولم تجده، وإذا هاتفتَه قال لك: سأكون هناك في دقيقتين. هذه معناها أن لا تتوقع وصوله في أقل من 10 دقائق، أما إذا سمعتَ كلمة «خمس دقائق» المشؤومة فاجمع متاعك واذهب لأن «خمس دقائق» صارت تعني أجلاً غير مسمّى.
هذه من الأشياء المُحنِقة. من الأشياء التي تعودنا عليها في بلادنا أن لا نلتزم بالوقت، رغم أن ديننا أمرنا أن نفي بوعودنا وأن نَصْدُق في كلامنا، فقد مدح الله نبيه إسماعيل فقال: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ، إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً} (مريم،54). وفي الحديث المعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفادنا أن من أبرز صفات المنافق أنه إذا وعد أخلف وإذا حدَّث كذب. فلماذا يا ترى هذا الإهمال الشديد لوقت الآخرين والاستهانة بالمواعيد ونحن أحقُّ الناس أن نلتزم بالمواعيد ونحترم الوقت؟ طرأت هذه الأفكار في رأسي لما مرت علي بعض أنباء الشعوب الأخرى والتزامها بالوقت، ليس فقط بين الناس بل حتى التزام الشركات والمؤسسات الحكومية بالوقت شئ يُضرَب به المثل في بعض الدول، وأبرزها اليابان، فالوقت هناك شيء مقدّس، ومن يلاحظ كيفية تعامل المؤسسات اليابانية مع مواعيدها يجد عجباً، وخذ القطارات مثالاً.
القطارات اليابانية من أشد القطارات في العالم انضباطاً في الوقت، والحقيقة أن التزامها بمواعيد الوصول والانطلاق مدهش وتسعى أن تلتزم بمواعيدها بالدقيقة بل حتى بالثانية، فمثلاً، في عام 2006م قاس مختصون أوقات تأخر قطار خط توكايدو شينكانسن الذي يربط بين طوكيو و أوساكا ووجدوا أن معدل التأخير في السنة كاملة كان 18 ثانية فقط! وبما أن القطارات منضبطة لهذه الدرجة فلا يتوقع أحد أن تتأخر، لذلك يؤقّت الناس مواعيدهم معتمدين على انضباط القطارات، فإذا تأخر قطار عن موعده 5 دقائق كان هذا شيئا غير متوقع، وحينها يعتذر طاقم القطار للراكبين ويُصدر لكل منهم شيئاً يّسمّى «شهادة تأخُّر»، لأن القطار وسيلة نقل أساسية تنقل الناس لأعمالهم، وقد يتورّط الراكب مع جهة عمله إذا تأخر، ولأن القطارات هناك معروفة أنها شديدة الانضباط فلن يصدِّق المدير أن قطاراً تأخّر، ويحتاج إثباتاً. أما إذا تأخر القطار ساعة فأكثر فهذا حدث نادر ترتفع له الحواجب وتتناقله الألسن ويظهر في الأخبار!
انضباط مدهش. هذا هو الانضباط الذي يَجدُر بنا أن نتحلّى به وأن يُعرَف عنا، فصِدقُ الوعد واحترام الوقت - سواءً أتى هذا من فرد أم من مؤسسة – يجب أن يكون من سمات كل مسلم.
Twitter: @i_alammar